http://www.tvquran.com

TvQuran

athan times

Prayer Times For 6 Million Cities Worldwide
Country:

الأحد، 15 أغسطس 2010

معجزة الصيام .. وفوائده الصحية

source : http://www.quran-m.com
د.صالح بن عبد القوي السنباني




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102).يقول تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة : 184)، وهنا تتضح وتتجلى المعجزة العظمى لمحمد صلى الله عليه وسلم في تشريع الصوم :


المعجزة الأولى: ضرورة الصوم لكل إنسان:


حيث يعتبر العلماء اليوم الصوم ظاهرة حيوية فطرية لا تستمر الحياة السوية والصحة الكاملة بدونها. وأي إنسان أو حيوان إذا لم يصم فإنه معرض للإصابة بالأمراض المختلفة، وأن كل إنسان يحتاج إلى الصوم، يقول ماك فادون من علماء الصحة الأمريكيين (إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية تجتمع في الجسم فتجعلـه كالمريض فتثقلـه ويقل نشاطه فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه وذهبت عنه حتى يصفو صفاءً تاماً و يسترد وزنه ويجدد خلاياه في مدة لا تزيد عن 20 يوماً بعد الإفطار. لكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد لـه بهما من قبل ).


ومن أهم الفوائد الصحية للصيام:


1 - راحة الجسم و إصلاح أعطابه.


2- امتصاص المواد المتبقية في الأمعاء والتي يؤدي طول مكثها إلى تحولـها لنفايات سامة.


3- تحسين وظيفة الـهضم، والامتصاص.


4- تستعيد أجهزة الإطراح والإفراغ نشاطها وقوتها وتتحسن وظيفتها في تنقية الجسم، مما يؤدي إلى ضبط الثوابت الحيوية في الدم وسوائل البدن. ولذا نرى الإجماع الطبي على ضرورة إجراء الفحوص الدموية والمفحوص صائماً. فإذا حصل أن عاملاً من هذه الثوابت في غير مستواه فإنه يدل على خلل ما.


5- تحليل المواد الزائدة والترسبات المختلفة داخل الأنسجة المريضة.


6- إعادة الشباب والحيوية إلى الخلايا والأنسجة المختلفة في البدن.


7- تقوية الإدراك وتوقد الذهن.


8- تجَميل وتنظيف الجلد، يقول الكسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في الطب في كتابه الإنسان ذلك المجهول (إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس الحيوانية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام،..إن سكر الكبد يتحرك ويتحرك معه أيضاً الدهن المخزون تحت الجلد. وتضحي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة من أجل الإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب. وإن الصوم لينظف ويبدل أنسجتنا ).


قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183).


المعجزة الثانية: الصوم هو الخير والصحة للإنسان أو المعفاة الكاملة بدنياً ونفسياً وروحياً:


يقول هالبروك Holbrook: (ليس الصوم بلعبة سحرية عابرة، بل هو اليقين والضمان الوحيد من أجل صحة جيدة)، ويقول الدكتور ليك Liek : (يوفر الجسم بفضل الصوم الجهد، والطاقة المخصصة للـهضم، ويدخرها لنشاطات أخرى، ذات أولوية وأهمية قصوى : كالتئام الجروح، ومحاربة الأمراض).


ويقول توم برنز(فعلى الرغم من إنني بدأت الصوم بهدف تخليص جسدي من الوزن الزائد إلا أنني أدركت أن الصوم نافع جدا لتوقد الذهن، فهو يساعد على الرؤية بوضوح أكبر، وكذلك على استنباط الأفكار الجديدة وتركيز المشاعر، وأشعر بانصراف ذاتي عن النزوات والعواطف السلبية كالحسد والغيرة وحب التسلط، كما تنصرف نفسي عن أمور علقت بها مثل الخوف والارتباك والشعور بالملل).


والصيام وقاية للجسم من الحصوات والرواسب الكلسية والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية وكذلك الأورام في بداية تكونها. كما يخفض نسبة السكر في الدم إلى أدنى معدلاتها، ويعطي غدة البنكرياس فرصة للراحة، والتي تفرز الأنسولين الذي يحول السكر إلى مواد نشوية ودهنية تخزن في الأنسجة، فإذا زاد الطعام عن كمية الأنسولين المفروزة فإن البنكرياس يصاب بالإرهاق والإعياء، ثم يعجز عن القيام بوظيفته، فيتراكم السكر في الدم وتزيد معدلاته بالتدريج حتى يظهر مرض السكر. وقد أقيمـت دور للعلاج في شتى أنحاء العالم لعلاج مرضى السكر باتباع نظام الصيام لفترة تزيد من(عشر- عشرين) ساعة ودون أية عقاقير كيميائية، ثم يتناول المريض وجبات خفيفـة جدا، وذلك لمدة أربعة أسابيع متوالية. وقد جاء هذا الأسلوب بنتائج مبهرة في علاج مرضى السكر. و الصيام وقاية من التخمة، وأفضل طبيب تخسيس وأرخصهم على الإطلاق، والصيام وقاية من الأمراض الجلدية، حيث يقلل الصيام نسبة الماء في الدم فتقل نسبته في الجلد مما يعمل على زيادة مناعة الجلد ومقاومة الميكروبات والأمراض الجرثومية، والصيام وقاية من داء الملوك"النقرس"،والصيام وقاية من جلطة القلب والمخ، والصيام وقاية من آلام المفاصل، والصيام مشرط جراحي يزيل الخلايا التالفة.


إن الصيام هو مفتاح الصحة، ومن الأمراض التي أثبت الصوم فاعلية في علاجها: الشقيقة (الصداع النصفي)، والربو القصبي، والأمراض الالتهابية، وأمراض الغدد الصم وضعف الخصوبة، والبدانة، وداء السكري إذا لم يمض على الإصابة أكثر من 5 سنوات، حيث تصاب غدة البنكرياس بالتلف، وبالتالي لا يفيد الصوم في تنشيط الغدة وزيادة فعاليتها، وعلاج ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول.


ويتفق الباحثون على أهمية الصوم الحيوية حيث أن تخزين المواد الضرورية في البدن من فيتامينات وحوامض أمينية يجب ألا يستمر زمناً طويلاً، فهي مواد تفقد حيويتها مع طول مدة التخزين، لذا يجب إخراجها من مخازنها واستخدامها قبل أن تفسد، إن الصيام يمنح الجهاز الـهضمي وسائر الأجهزة والغدد الراحة الفيسيولوجية التي تجعل الجسد يحصل على فرصة للتجدد، فتعود الوظائف نشطة، ويصبح الدم أصفى، وأغنى بكريات الدم الأكثر شبابًا، وهذا التجدد يظهر أولاً على سطح الجلد فتصير البشرة أنقى، وتختفي البقع والتجاعيد، أما العيون فإنها تغدو أكثر صفاءً وبريقًا. ولقد أشارت تجارب اثنين من علماء الفيسيولجيا بجامعة شيكاغو أن الصوم لمدة أسبوعين يكفى لتجديد أنسجة إنسان في عمر الأربعين، بحيث تبدو مماثلة لأنسجة شاب في السابعة عشرة من عمره. يقول تعالى: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة : 184)،


المعجزة الثالثة: أقل فترة للصوم شهر واحداً في العام:


أكد البروفيسور نيكولايف بيلوي من موسكو في كتابه " الجوع من أجل الصحة " 1976 ( أن على كل إنسان أن يمارس الصوم بالامتناع عن الطعام لمدة أربعة أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته) قال تعلى:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )(البقرة: من الآية185).


المعجزة الرابعة: في تحديد زمن الصوم اليومي من طلوع الفجر إلى غياب الشمس:


زمن الصيام الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع الاعتدال وعدم الإسراف في الطعام في وقت الإفطار وقد أثبت البحث العلمي أن الفترة المناسبة للصوم يجب أن تكون مابين 12-18 ساعة وبعدها يبدأ مخزون السكر في الجسم وفي تحليل البروتين. وقد سجل درينيك Dreanik ومساعدوه عامـ 1964م، عدداً من المضاعفات الخطيرة من جراء الوصال في الصيام لأكثر من 31 يوماً. وتتضح هنا المعجزة النبوية بالنهي عن الوصال في الصوم.فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم والوصال قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال إنكم لستم في ذلك مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ).


المعجزة الخامسة: أهمية وجبتي الإفطار والسحور للصائم:


فقد أثبت البحث العلمي أهمية وجبتي الإفطار والسحور في إمداد الجسم بالأحماض الدهنية والأمينية، وبدونهما يتحلل الدهن في جسم الإنسان بكميات كبيرة مما يؤ دي إلى إلى تشمع الكبد وإلحاق أضرار خطيرة بجسم الإنسان.قال صلى الله عليه وسلم :(لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور)


المعجزة السادسة: الصوم بالإمتناع عن الطعام والشراب والجماع أمان من الأخطار الصحية:


فقد أثبتت الأبحاث الطبية أن الامتناع عن الطعام فقط يعرض الإنسان على مخاطر عديدة أهمها: اختلال نسبة الأملاح والسوائل في الجسم مم يؤدي إلى الإصابة بأمراض مختلفة وقد تصل هذه الأخطار على الوفاة، ويؤدي الجماع إلى فقد 76 كيلو سعر حراري قد تلحق الأذى بالإنسان وهو صائم.


المعجزة السابعة: الرخصة للمريض والمسافر لليسر وعدم المشقة:


بين ألن سوري Alain Saury أن قيمة الصوم في تجديد حيوية الجسم ونشاطه ولو كان في حالة المرض، وأورد حالات عدد من المسنين، تجاوزت أعمارهم السبعين، استطاعوا بفضل الصوم استرجاع نشاطهم وحيويتهم الجسمانية والنفسانية حتى أن عدداً منهم استطاع العودة إلى مزاولة عملـه الصناعي أو الزراعي كما كان يفعل في السابق نسبياً. فالرخصة في الصوم للمريض والمسافر مرتبطة بالمشقة قال تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(البقرة: من الآية185 ).


المعجزة الثامنة: أهمية صيام ستة أيام من شوال وثلاثة أيام من كل شهر:


الصيام هو الوسيلة الوحيدة الفعالة لطرد السموم المتراكمة في الجسم، حيث تنظف القناة الـهضمية تمامًا من جراثيمها خلال أسبوع واحد من الصوم، وتستمر عملية التنظيف لإخراج الفضلات والسموم المتراكمة في الأنسجة عبر اللعاب، والعصارة المعدية، والعصارة الصفراء، وعصارة البنكرياس، والأمعاء، والمخاط، والبول، والعرق، وتقل كمية العصارة ودرجة حموضتها كثيرًا مع الصوم، يقول الدكتور محمد سعيد البوطي : (أن الصيام الحق يمنع تراكم المواد السمّية الضارة كحمض البول والبولة وفوسفات الأمونياك والمنغنيزا في الدم وما تؤهب إليه من تراكمات مؤذية في المفاصل, والكلى ــ الحصى البولية ــ ويقي من داء الملوك ــ النقرس ــ). وقد أثبت الأبحاث الطبية أن الصيام ليوم واحد يطهر الجسم من الفضلات والسموم المتراكمة لعشرة أيام(أي أن الإنسان يحتاج كل سنة لصيام 36 يوماً).و من هنا نرى الحكمة من أن توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لنا بصيام ستة أيام من شوال حتى تكتمل عملية التنظيف يقول صلى الله عليه وسلم :فيما رواه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصوم الدهر).


كما يكشف العلم الحديث عن حكمة لصيام الأيام البيض، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام. والمراد بالأيام البيض ( 13، 14، 15) من كل شهر عربي. وسميت بالبيض لأن لياليها بيضاء من شدة ضوء القمر عند اكتمالـه. وقد كشف العلم الحديث في الأعوام الأخيرة أن القمر يسبب في الأيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، زيادة التهيج العصبي والتوتر النفسي إلى درجة بالغة تصيب بعض الناس بمرض الجنون القمري.


المعجزة التاسعة: لماذا الإفطار على التمر؟:





فلقد كان رسول اللـه صلى الله عليه وسلم يفطر على رطب فإن لم يجد فتمرات فإن لم يجد حسا حسوات من ماء، وهذا الـهدي هو
 خير هدي لمن صام عن الطعام والشراب ساعات طوال، فالسكر المـوجود في التمر يشعر الإنسان بالشبع لأنه يمتص بسرعة ويصل إلى الدم في دقائق معدودة، ويعطى الجسم الطاقة اللازمة لمزاولة نشاطه المعتاد.


أما لو أفطر الإنسان بأكل اللحوم والخضراوات والخبز فإن هذه المواد تأخذ وقتا طويلا كي يتم هضمها وتحويل جزء منها إلى سكر فلا يشعر الإنسان بالشبـع، ويستمر في ملء معدته فوق طاقتها توهما منه أنه مازال جائعا، ويفقد الصيام هنا خاصيته المدهشة في جلب الصحة والعافية والرشاقة.


إن هذا التشريع المحكم الذي يتضمن أسراراً لأدق الاكتشافات الطبية والذي نزل به القرآن في زمنٍ يستحيل على البشر فيه معرفتها يدل على مصدره الإلهي، كما قال تعالى: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:6). كما يشهد لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول من عند الله، وصدق الله القائل :(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53).

الخميس، 12 أغسطس 2010

The Reluctant Fundamentalist

by Mohsin Hamid

EXCUSE ME, SIR, but may I be of assistance? Ah, I see I have alarmed you. Do not be frightened by my beard: I am a lover of America. I noticed that you were looking for something; more than looking, in fact you seemed to be on a mission, and since I am both a native of this city and a speaker of your language, I thought I might offer you my services.

How did I know you were American? No, not by the color of your skin; we have a range of complexions in this country, and yours occurs often among the people of our northwest frontier. Nor was it your dress that gave you away; a European tourist could as easily have purchased in Des Moines your suit, with its single vent, and your button-down shirt. True, your hair, short-cropped, and your expansive chest—the chest, I would say, of a man who bench-presses regularly, and maxes out well above two-twenty-five—are typical of a certain type of American; but then again, sportsmen and soldiers of all nationalities tend to look alike. Instead, it was your bearing that allowed me to identify you, and I do not mean that as an insult, for I see your face has hardened, but merely as an observation.

Come, tell me, what were you looking for? Surely, at this time of day, only one thing could have brought you to the district of Old Anarkali—named, as you may be aware, after a courtesan immured for loving a prince—and that is the quest for the perfect cup of tea. Have I guessed correctly? Then allow me, sir, to suggest my favorite among these many establishments. Yes, this is the one. Its metal chairs are no better upholstered, its wooden tables are equally rough, and it is, like the others, open to the sky. But the quality of its tea, I assure you, is unparalleled.

You prefer that seat, with your back so close to the wall? Very well, although you will benefit less from the intermittent breeze, which, when it does blow, makes these warm afternoons more pleasant. And will you not remove your jacket? So formal! Now that is not typical of Americans, at least not in my experience. And my experience is substantial: I spent four and a half years in your country. Where? I worked in New York, and before that attended college in New Jersey. Yes, you are right: it was Princeton! Quite a guess, I must say.

What did I think of Princeton? Well, the answer to that question requires a story. When I first arrived, I looked around me at the Gothic buildings—younger, I later learned, than many of the mosques of this city, but made through acid treatment and ingenious stonemasonry to look older—and thought, This is a dream come true. Princeton inspired in me the feeling that my life was a film in which I was the star and everything was possible. I have access to this beautiful campus, I thought, to professors who are titans in their fields and fellow students who are philosopher-kings in the making.

I was, I must admit, overly generous in my initial assumptions about the standard of the student body. They were almost all intelligent, and many were brilliant, but whereas I was one of only two Pakistanis in my entering class—two from a population of over a hundred million souls, mind you—the Americans faced much less daunting odds in the selection process. A thousand of your compatriots were enrolled, five hundred times as many, even though your country’s population was only twice that of mine. As a result, the non-Americans among us tended on average to do better than the Americans, and in my case I reached my senior year without having received a single B.

Looking back now, I see the power of that system, pragmatic and effective, like so much else in America. We international students were sourced from around the globe, sifted not only by well-honed standardized tests but by painstakingly customized evaluations—interviews, essays, recommendations—until the best and the brightest of us had been identified. I myself had among the top exam results in Pakistan and was besides a soccer player good enough to compete on the varsity team, which I did until I damaged my knee in my sophomore year. Students like me were given visas and scholarships, complete financial aid, mind you, and invited into the ranks of the meritocracy. In return, we were expected to contribute our talents to your society, the society we were joining. And for the most part, we were happy to do so. I certainly was, at least at first.

Every fall, Princeton raised her skirt for the corporate recruiters who came onto campus and—as you say in America—showed them some skin. The skin Princeton showed was good skin, of course—young, eloquent, and clever as can be—but even among all that skin, I knew in my senior year that I was something special. I was a perfect breast, if you will—tan, succulent, seemingly defiant of gravity—and I was confident of getting any job I wanted.

Except one: Underwood Samson & Company. You have not heard of them? They were a valuation firm. They told their clients how much businesses were worth, and they did so, it was said, with a precision that was uncanny. They were small—a boutique, really, employing a bare minimum of people—and they paid well, offering the fresh graduate a base salary of over eighty thousand dollars. But more importantly, they gave one a robust set of skills and an exalted brand name, so exalted, in fact, that after two or three years there as an analyst, one was virtually guaranteed admission to Harvard Business School. Because of this, over a hundred members of the Princeton Class of 2001 sent their grades and résumés to Underwood Samson. Eight were selected—not for jobs, I should make clear, but for interviews—and one of them was me.

You seem worried. Do not be; this burly fellow is merely our waiter, and there is no need to reach under your jacket, I assume to grasp your wallet, as we will pay him later, when we are done. Would you prefer regular tea, with milk and sugar, or green tea, or perhaps their more fragrant specialty, Kashmiri tea? Excellent choice. I will have the same, and perhaps a plate of jalebis as well. There. He has gone. I must admit, he is a rather intimidating chap. But irreproachably polite: you would have been surprised by the sweetness of his speech, if only you understood Urdu.

Where were we? Ah yes, Underwood Samson. On the day of my interview, I was uncharacteristically nervous. They had sent a single interviewer, and he received us in a room at the Nassau Inn, an ordinary room, mind you, not a suite; they knew we were sufficiently impressed already. When my turn came, I entered and found a man physically not unlike yourself; he, too, had the look of a seasoned army officer. “Changez?” he said, and I nodded, for that is indeed my name. “Come on in and take a seat.” His name was Jim, he told me, and I had precisely fifty minutes to convince him to offer me a job. “Sell yourself,” he said. “What makes you special?” I began with my transcript, pointing out that I was on track to graduate summa cum laude, that I had, as I have mentioned, yet to receive a single B. “I’m sure you’re smart,” he said, “but none of the people I’m talking to today has any Bs.” This, for me, was an unsettling revelation. I told him that I was tenacious, that after injuring my knee I had made it through physiotherapy in half the time the doctors expected, and while I could no longer play varsity soccer, I could once again run a mile in less than six minutes. “That’s good,” he said, and for the first time it seemed to me I had made something of an impression on him, when he added, “but what else?”

I fell silent. I am, as you can see, normally quite happy to chat, but in that moment I did not know what to say. I watched him watch me, trying to understand what he was looking for. He glanced down at my résumé, which was lying between us on the table, and then back up again. His eyes were cold, a pale blue, and judgmental, not in the way that word is normally used, but in the sense of being professionally appraising, like a jeweler’s when he inspects out of curiosity a diamond he intends neither to buy nor to sell. Finally, after some time had passed—it could not have been more than a minute, but it felt longer—he said, “Tell me something. Where are you from?”

الأربعاء، 11 أغسطس 2010

Hunter - After The Fall

  • by John Phillip Backus

  • In volume one of his epic post-apocalyptic adventure saga, master
  • storyteller John Phillip Backus brings this not-so-distant vision of the future to life with intriguing characters, gifted narrative, believable settings and mythic heroes and villains. Driven by a riveting storyline brilliantly illustrated by Asheville, North Carolina artist, Chad Schoenauer, the author weaves his linguistic magic until the reader is utterly immersed in this brave new world and dare not fail to turn the next page for fear of missing out.
  •  
  • On his own in the Wyoming wilderness, fourteen years after the End War and its aftermath nearly wiped out the human race, self-exiled survivor, Hunter Macintosh, is suddenly faced with more than he bargained for––three sisters and a child crossing the uncharted wilds alone.
  •  
  • Suspicious at first, Hunter soon discovers they’ve traveled more than three hundred miles to find him, at the request of their father, Adam Planchet––Hunter’s former commander and comrade-in-arms––whose besieged Colorado community is at risk of being overrun by lawless hordes! Honor-bound by a pledge made many years earlier, Hunter agrees to return with Elise Planchet to help turn the tide before all is lost.
  •  
  • Set against the majestic backdrop of the North American Rockies, Hunter – After The Fall is an engrossing tale of adventure, betrayal and hope, where the true character of an individual is thoroughly tested and the outcome uncertain at best. Join Hunter and Elise as they battle bands of outlaws, enraged grizzlies, numbing blizzards, armed militias and their own stubborn hearts in an epic tale of good-versus-evil in a potential future all too easy to conceive!
  •  
  • Prologue
  •  
  • Six months from the present
  •  
  • KEEP MOVING AND don’t look back he told himself, his breath coming in ragged gulps as he sprinted along an empty street in a blacked out city, the hour after midnight. A pale quarter moon hovered timidly in the dark expanse above as the young man scanned the shadows ahead and to the sides, desperate to avoid capture, certain of his fate if caught out after curfew. His mind was reeling with the incredulous events of the past few days, still having a hard time accepting the finality of it all.
  •  
  • Gone… it was all gone! The whole damned system had collapsed—destroyed! The radio said it… before it went dead. Major cities hit by nukes—wiped off the map!
  •  
  • He heard a woman scream from a building off to his right, followed by shouts and gunshots, but he kept on running, heading for the bridge—Got to get to the river. Up ahead on the road he saw lights! Ducking into an alley he crouched behind a dumpster and tried to quiet his breathing—Got to think... Don’t panic!
  •  
  • Men with flashlights passed by speaking in low voices he couldn’t decipher. He waited another minute before moving cautiously back to the street and down towards the water. Ahead he could see torches—watchers on the bridge! He left the roadway and slipped down the bank, angling towards the abutment. At the water’s edge, he took off his shoes and tied the strings together. Wearing them around his neck, he started to step into the river when two figures suddenly rushed out of the shadows, tackling him to the ground. He fought like a cornered animal, but they quickly had him pinned and bound hand and foot with duct tape.
  •  
  • A few minutes later they hoisted him up on the side of the bridge with a noose around his neck and roughly shoved him off. “NOOOOOO!” He screamed, plummeting until the rope snapped his vertebrae, severing his spinal cord. The young man’s corpse dangled there alongside dozens of others, young and old, male and female, foolish enough to try to escape. The two hangmen went back to cutting rope and fashioning nooses.
  •  
  • On a hillside overlooking the bridge, Hunter peered through a set of night vision binoculars with thermal capability. He could see the activity on the bridge as clear as day and counted six guards here and another six on the opposite side. Strung out along the riverbank, a dozen two-man teams lay in wait to nab anyone hoping to make it to the river—and freedom. All wore red and black armbands. Looks like someone’s already formed up a militia, he surmised, stashing the glasses back inside his jacket.
  •  
  • Hunter relaxed and waited. The time to make his move was two hours before dawn when the night was darkest and the sentries most tired. Snapping off a bite of protein bar, he sipped slowly from his canteen, thinking how lucky he was to have been away when it all came down. He glanced over at his newly acquired weapon lying beside him on the ground —a silenced .308 with night vision scope above match grade iron sights. In his backpack were clips filled with ammo— lots of ammo. He sat with his back against a tree and closed his eyes. It was hard to believe it had only been four days.
  •  
  • He received the news while returning from a long weekend solo-backpacking trip in the northern Sierra Nevada Mountains, catching up on some of his favorite outdoor pastimes— hiking, trail running and rock climbing. His wind-up emergency/weather radio came alive on the way back to his truck and at first he thought it must be some kind of a joke. The Emergency Broadcast System warning sounded, and a voice came on saying that major war had erupted, orderingfurther instructions! It apparently started somewhere in the Middle East—a place he was entirely too familiar with—but this time had spread like wildfire all over the world until all major nations and governments were involved!
  •  
  • When he got to the truck, he tried the radio, but the FM band was silent. He picked up an independent AM station from a small town somewhere in the middle of the Nevada desert that was continuously transmitting the National Anthem followed by short news flashes. Hunter was stunned by the disjointed reports:
  •  
  •  
  • Washington, D.C. and other major cities had been leveled in midnight nuclear attacks. The national electrical grid was down. Military command and control centers had been bombed and were presumed destroyed. Satellite communications were down. The president, vice president, full cabinet, and most members of Congress were missing and presumed dead in the attacks on the capitol. The federal government was virtually non-existent. With only limited CB radio communications, state and local governments were paralyzed. Police and military forces were in complete disarray. Chemical weapons were reportedly used in several cities. Suspected biological warheads had been deployed. The financial system was gone. The transportation/distribution system had halted. Air transportation had stopped.All media, cable TV, Internet, the GPS system, and cell phone service were down. Social order had devolved into total chaos. Mass hysteria engulfed the population. Riots and looting were widespread. Thousands had died in mob violence. Plague-infected throngs were fleeing the cities.
  •  
  • Hunter sat motionless a long while as time stood still. He would always remember the date—June 21st—the summer solstice. When the station faded into static, he knew that this was really it, and he was on his own. He quickly compiled a list of essential equipment and supplies he’d need short term. Long term—well that was another prospect altogether. He just wanted to make it through the next forty-eight hours alive and in one piece!
  •  
  • He headed for a local sporting goods store where he sometimes bought ammo for target practice and the little hunting he did. When he got there, it was almost dark. Somebody had backed a delivery truck through the front wall of the place, and there were several bodies on the ground beside it and more in the gravel parking lot outside. Spent shell casings lay all over, and he spotted a handgun partially hidden beneath one of the vehicles.
  •  
  • Grabbing the Glock .40, he cleared the chamber, checking the magazine: Empty. He picked up a chunk of the smashed brick façade and threw it into the building: No response. Low-crawling to a nearby body, he discovered it was cold and stiff. He squeezed under the truck in the halflight, carefully picking his way along the floor into the store. There were more bodies inside. There must have been quite a fight—blood and spent shells everywhere! He made his way to the counter and sat on the floor with his back against it.
  •  
  • Waiting there in silence for a good ten minutes, he listened, hearing nothing. As darkness fell, he switched on his flashlight and sat it on the counter, dropping his hand away quickly in case someone was hiding there waiting: Nothing. Picking it up, he checked around behind the counter. Another body lay sprawled there, a big guy with his hand still wrapped around an empty .50 Desert Eagle; it was the owner. Hunter checked his pockets for keys. He found what he was looking for on a thin chain around his neck. He knew the guy had a safe in a room in the back where he kept the good stuff—they all did.
  •  
  • Grabbing a new black range bag off the shelf and a couple of shotgun bandoliers, he checked the paneling along the back wall for smudge prints. Spotting the not-so-hidden latch, he opened the door. The back room was filled with crates and boxes and lined with shelves. Rows of rifles were lined up on racks against the far wall.
  •  
  • In one corner was a gun safe. The key fit the lock, and Hunter tried some numbers on the digital keypad. Street address: Nothing. He went back and got the guy’s wallet. He tried his birth date: Nope. He tried the last 4 of the guy’s SS#: Nada. He went to the filing cabinet in the opposite corner of the room and looked for a file folder with information on the safe: Bingo. He rifled through the file, and the original combination was there in the warranty paperwork. Not obvious, but you had to know where to look. Maybe the guy had been too lazy to customize it, as were many people. He entered the numbers and the thing beeped as the light turned green: Yes!
  •  
  • Opening the safe he hit the jackpot—a stack of cash in various denominations, a small pouch of assorted gold sovereigns, a pair each of the latest night vision goggles and binoculars, a concealable twelve gauge shotgun with ten inch barrel and pistol grip, a fully-silenced .308 SR-25 rifle with scope, bipod, sling, and a silenced, laser-sighted .45 Baretta in a custom holster with extra clips! He gathered the weapons and grabbed a bulletproof vest with ceramic plates off a rack before heading back to the front to fill up on ammo. Finally, he loaded a large backpack with the ammo and other useful items from his list and made his way back outside.
  •  
  • It was pitch dark and deathly quiet. A light breeze blew from the east, the air cold and wet, foretelling of rain. He checked the street for movement with the binoculars; nothing was there, but he would have to clear out fast. He was sure others would be showing up anytime, and he wasn’t interested in being here when they did.
  •  
  • He spent the rest of that night collecting what he needed from the pharmacy, grocery store, outfitters, hardware store, gas station and military surplus. By daybreak he had everything on his list and drove northeast on the back roads for an hour, towing a loaded utility trailer. Backing up into a secluded draw in the middle of nowhere, he caught a few hours of sorely needed sleep. When dusk settled in again, he headed back out on the road.
  •  
  • Driving at night and sleeping during the day, he crossed the mountains near Lake Tahoe and continued through the Nevada and Utah backcountry, heading to the secluded forty acres and small cabin in western Wyoming he’d purchased,while still in the military, as a place to retire to someday. Looks like someday came sooner than he expected.
  •  
  • Hunter drove with the truck lights out, wearing night vision goggles, and removed the brake and back-up light fuses so he would be nearly impossible to detect in the dark. Along the way, he passed several wrecks and abandoned vehicles, and coming around a curve, he nearly ran over a dead man lying in the middle of the road in the middle of nowhere. On the outskirts of a small town, he heard the report of a rifle and floored it all the way through to the other side. The only people he saw were dead ones from a distance, usually sprawled out in diner parking lots or gas stations along the way. On several occasions, he pulled off the roadway and stopped when he saw headlights approaching in the distance. Those driving the speeding vehicles were definitely not into stopping to check him out.
  •  
  • As the third day dawned, temperatures continued to drop, and a hard rain mixed with sleet started to fall. He pulled down a deserted farm lane and parked. Donning long underwear and cold weather rain gear, he slept in a hammock up a tree fifty yards from the truck cradling his rifle —just in case. In the middle of the fourth night, he reached the Wyoming border.
  •  
  • Approaching the river, he stopped a half-mile back from the bridge adorned in bodies and climbed the hill to check it out. From his vantage point above the bridge, he panned back across the steel span, re-counting the guards and checking their placement. Getting across that bridge won’t be a problem, he reasoned. Doing so without bloodshed? Hunter smiled grimly. He wouldn’t want to bet on it!

نبيل فهمى يتحدث لـ«المصرى اليوم» part 1

سفيرنا السابق فى واشنطن يكشف تفاصيل الضغوط الأمريكية على القاهرة (١-٢): نبيل فهمى: الكونجرس قال لنا إذا لم تتغاضوا عن قضية سعد الدين إبراهيم فلن نرفع لكم المعونات.. ونفذ تهديده

حوار رانيا بدوى ١١/ ٨/ ٢٠١٠


http://www.almasry-alyoum.com


ظل المناخ العام فى أمريكا والعالم أثناء رئاسة الرئيس جورج بوش الابن للولايات المتحدة الأمريكية، مناخ حرب وتوتر بدعوى مواجهة الإرهاب، وتحت هذا الغطاء دخلت أمريكا العراق، ودمرت أفغانستان وفَشّلت عملية السلام فى فلسطين،

ووضع اسم الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات من قبل كل من «شارون» و«بوش» على قائمة الإرهابيين، وظهرت التهديدات بخفض المعونات الأمريكية لمصر، وزادت الدعوات للإصلاح الديمقراطى وحقوق الإنسان.

٨ سنوات شهدت أحداثا كثيرة ساخنة ومؤثرة حتى إن التاريخ أخذ يؤرخ لمنطقة الشرق الأوسط قبل ولاية «بوش» وبعدها وقبل أحداث ١١ سبتمر وبعدها، وبدأت جملة الضغوط الأمريكية على مصر تتردد كثيرا بين المثقفين وفى الشارع المصرى، البعض يقول إن أمريكا تختار وزراء مصر، وبعضهم ذهب إلى أن أيمن نور، خرج من السجن بضغط أمريكى، وأكد آخرون أننا ننحنى أمام إسرائيل لكسب الرضا الأمريكى، وغير ذلك الكثير فالحديث المرسل كثير والمدقق قليل، والمنسوب إلى شهود عيان يكاد يكون غير موجود،

لذا كان السؤال للسفير نبيل فهمى، الذى مثل مصر٩ سنوات فى واشنطن وكان شاهدا على مرحلة فاصلة، ليس فى تاريخ مصر فقط وإنما فى تاريخ العرب ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، لنقدم فى هذ الحوار دلائل واضحة، تكمن فى شهادة رجل عاصر المرحلة وكان أحد صناع القرار، بل وأول من كان يتلقى الضغوط الأمريكية ليبلغها إلى القاهرة، ليحكى لنا عن تفاصيل هذه الضغوط وأسبابها ونوعيتها ومدى استجاباتنا لها.

■ «الضغوط الأمريكية على مصر».. جملة نسمعها كثيرا ونقرأها فى الصحف يوميا.. نسمع عن معاداة مصر لإيران تنفيذا لرغبات أمريكا ومهادنة إسرائيل تلبية لطلبات الكونجرس.. فهل تحكم مصر بقرارات أمريكية؟

- كل ما يقال عن الضغوط الأمريكية صحيح، لكننى أعترض على جملة «مصر تحكم بقرارات أمريكية»، لنقل إنهم يحاولون بكل الطرق التأثير فى القرار المصرى، لكن الأهم هو هل نلبى هذه الطلبات ونمتثل لهذه الضغوط أم لا؟

■ فلتجب إذن.. هل نمتثل لهذه الضغوط؟

- مصر تنفذ أى مطلب أمريكى يتناسب مع مصالحها، ولا تنفذ أى مطلب لا يتناسب مع هذه المصالح.

■ يقال إن هناك وزراء تم تعيينهم بالاسم باقتراح أمريكى؟

- لم أسمع عن ذلك، فلست من يعين الوزراء، وليست حتى مشاركاً فى العملية.

■ إذن كيف يحاولون التأثير على القرار المصرى؟

- يتصلون بنا مرارا وتكرارا ويقولون نريد منكم عدم التعامل مع فلان، أو معاداة الدولة الفلانية لأننا على علاقة سيئة بها ولا نريد منكم دعم الدولة الفلانية فى الانتخابات الدولية، وأشياء من هذا القبيل، وقد تعرضت كثيرا أثناء وجودى فى واشنطن لمثل هذه الأمور.

■ هل من أمثلة على ذلك؟

- طلب منا بشكل واضح عدم دعم سوريا أو إعطائها صوتنا أثناء ترشحها لمجلس إدارة مجلس محافظى الطاقة الذرية، بل وطلب منا التخلى عنها وعدم تأييدها فرفضنا، وقلنا إننا لن نقف ضد مرشح عربى، لن يحدث هذا، مع العلم أن علاقتنا بسوريا لم تكن جيدة آنذاك.

■ لكن هل رشحنا سوريا ودعمناها بالفعل؟

- سوريا انسحبت من تلقاء نفسها من الانتخابات بعد ذلك.

■ ماذا عن علاقتنا بإيران؟

- اتصل بى عدد من المسؤولين الأمريكيين، وسألونى باستنكار: لماذا أتى على لاريجانى إلى مصر ولماذا قابله الرئيس مبارك؟ فقلت لهم إنه أتى للمشاركة فى مؤتمر ثم طلب مقابلة الرئيس الذى رأى مصلحة فى ذلك فقابله. وفى موقف آخر قالوا لنا: نريد توقيعكم على قرار تحويل الملف النووى الإيرانى إلى مجلس الأمن، فقلنا لهم: لا شك أن الموقف الإيرانى معيب، لكننا لا نستطيع التوقيع على هذا القرار، فالرأى العام سيحاسبنا: فكيف لنا أن نقف ضد إيران، لأنها مخالفة لبنود اتفاقية منع انتشار السلاح النووى،

فى حين نترك إسرائيل الممتنعة عن الانضمام إلى الاتفاقية من الأساس، ورفضنا بالفعل التوقيع، وطلبنا أولا أن يوضع بند ينص على أن «كل ذلك خطوة فى إطار إنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط»، وكان ذلك مدار حديث بينى وبين وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس.

■ ماذا كان رد فعلها؟

- قالت لى: يعنى إيه.. انت بتربط توقيع مصر مقابل وضع هذا البند؟! فقلت: نعم، وأوضحت لها أننا نريد الحل، وهذه هى الطريقة الوحيدة للعلاج، بوضع معايير موحدة للجميع، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يتخذ فيها مجلس محافظى وكالة الطاقة الذرية، قرارا بتحويل الملف النووى الإيرانى من وكالة الطاقة الذرية إلى مجلس الأمن، وبالفعل امتثلوا لطلبنا ووضعوا هذا البند فى القرار.

■ هل توقيع مصر على هذا القرار كان أحد أسباب العداء بين مصر وإيران؟

- لا يوجد عداء بين مصر وإيران، لكن لا شك أن هناك توترات ترتفع أحيانا وتخفت أحيانا أخرى.

■ ما سبب هذه التوترات؟

- ترتبط أساسا بمشكلات أمنية وملفات مفتوحة بيننا وبين إيران، تخص جماعات متطرفة فى إيران، ومادامت المشكلات ترتبط بمسائل أمنية، هنا يكون لنا نظرة مختلفة، والسبب الآخر يكمن فى الموقف الإيرانى السلبى من عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، حيث تشجع إيران الجماعات التى لا تريد التوصل إلى حل سلمى، إضافة إلى رغبتها فى مد نفوذها إلى دول الخليج والمساس بالحيازة الجغرافية لدول الخليج العربى، وأقصد جزر الإمارات من ناحية، وتهديد البحرين من ناحية أخرى، ومع ذلك لا أرى أنه من المستحيل الوصول إلى توافق مصرى إيرانى.

■ لماذا إذن لا نصل إلى هذا التوافق؟

- هناك محاولات للحل من جانبنا ومن الجانب الإيرانى، لكن بكل صراحة، كنا نجد دائما المحاولات الإيرانية تقف على السطح أكثر من الوصول إلى الواقع الحقيقى للمشكلات، نتيجة وجود تيارات داخل إيران تحول دون الإجماع على الخطوات الأولى التى يتم طرحها. وقد أوضحنا مرارا أننا لا نعادى إيران، ولايوجد بيننا خلاف، طالما التزمت بأسس التنافس الشرعى وعدم المساس بأمن الطرف الآخر.

■ لكن.. هناك مسؤولون إيرانيون أتوا إلى مصر وطلبوا مقابلة الرئيس، وأبرزهم لاريجانى، بينما لم نر مسؤولا مصريا واحدا يزور إيران؟

- أولا أغلب المسؤولين الإيرانيين الذى أتوا إلى مصر جاءوا لحضور مؤتمرات دولية، وأثناء ذلك طلبوا مقابلة الرئيس، وتحدث معهم بإيجابية وصراحة، لكننا لم نجد من الجانب الإيرانى أى متابعة لهذه الاتصالات وتنفيذ ما يتم الوعد به.

■ عودة إلى المواقف التى مارست فيها الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطا على مصر.. إلى أى مدى وصلت؟

- طلبت منا الولايات المتحدة الأمريكية ذات مرة عدم استقبال الرئيس الفلسطينى الراحل عرفات أو دعمه، عندما اتخذوا قرار المقاطعة ضده، وحبسه «شارون» فى مقر السلطة الفلسطينية، ورفضنا ذلك، وأعلنا امتعاضنا.

■ ماذا عن احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وموقفنا من هذا الاحتلال؟

- أطلعونا على قرار دخول العراق قبل القيام بالاحتلال، وأرسلنا إليهم الرد بالرفض، وعدم موافقتنا على هذه الخطوة، ولامت أمريكا مصر كثيرا على رفضها قرار دخول العراق، وقالوا لى كيف للرئيس مبارك وهو صديق وحليف للولايات المتحدة الأمريكية أن يقول إن دخول العراق سيخلق مائة صدام حسين ومائة أسامة بن لادن، وقلت لهم، لقد قال هذا لأنه صديق مخلص لأمريكا، ويرى أن دخولكم العراق سيخلق العديد من المشاكل.

■ هل ساعدت مصر أمريكا فى دخول العراق.. لوجستيا على الأقل؟

- إطلاقا.. لكن هناك دولاً عربية ساعدت أمريكا فى دخول العراق بكل تأكيد.

■ من هى تلك الدول؟

- عدد من الدول العربية منها قطر والكويت.

■ أحاديث وأقاويل كثيرة صاحبت آخر زيارة للرئيس بوش الابن لمصر، وعدم حضور الرئيس مبارك كلمته، فما شهادتك على هذه اللحظة، وما سبب ترك الرئيس مبارك للقاعة آنذاك؟

- جاء الرئيس الأمريكى السابق، بوش الابن إلى مصر بعد زيارة إلى إسرائيل، وقبل أن تقله الطائرة إلى مصر فوجئت باتصال من نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى يقول لى: لدينا تعليمات بأن نطلعك على نص الخطاب الذى سيلقيه الرئيس بوش فى شرم الشيخ، وبدأ النص بمدح مصر، ووردت به بعض الجمل التى تحمل مجاملات، فقلت له: طبعا أنت لم تطلبنى لتقول لى أنكم ستمتدحوننا، فلتبدأ بالحديث الذى لن يعجبنا، وفوجئت بأن صياغة الخطاب قاسية للغاية، وفيها هجوم شديد على مصر،

فقلت له إذا كنتم تنوون إلقاء هذا الخطاب فى شرم الشيخ، فالأفضل ألا تذهبوا إلى هناك، وهذا رأيى الشخصى، فقال لى اهدأ، وما الذى لا يعجبك فى الخطاب؟ المهم أنه وبعد نقاشات طويلة تم تعديل الخطاب أكثر من مرة، حتى اللحظة التى استقلوا فيها الطائرة كان الخطاب يعدل، وخفف إلى حد كبير، ورغم أن الصيغة النهائية التى ألقاها «بوش» كانت أيضا غير مريحة إلا إنها أفضل كثيرا من أصل الخطاب الذى أعد فى البداية.

■ إذن الرئيس مبارك كان يعلم بخطاب الرئيس بوش قبل إلقائه؟

- نعم.

■ ماذا كان رد الفعل؟

- القاهرة أيدتنى فى تصرفى تماما.

■ لماذا لم يُتخذ قرار أعنف من قبل القاهرة يعكس موقفها؟

- لكل فعل رد فعل، ثم إن القاهرة رأت أننى قمت بمسؤوليتى، وتحملتها على أفضل وجه، وجنبت العلاقات المصرية الأمريكية صداما كان يمكن أن يؤدى إلى خلافات، فكان من الممكن أن أرسل الخطاب بصيغته الأولى إلى القاهرة، ووقتها سيأتينى الرد أعنف فتتوتر العلاقات، ولكن بما بذلته من مجهود لتخفيف الخطاب جنبت القاهرة الحاجة إلى الصدام، وربما اكتفى الرئيس بعدم التواجد أثناء خطاب الرئيس الأمريكى، وكان هذا تصرفا سليما ١٠٠ %، ولا تنس أن المؤتمر كان يحضره عدد من رؤساء الدول الأخرى، وليس فقط الرئيس بوش.

■ ننتقل إلى الضغوط الأمريكية فى المجال الاقتصادى.. ما مدى تأثيرها؟

- لا شك أن هناك عدداً من الضغوط الاقتصادية مورست على مصر، وأذكر أنه فى مرحلة من المراحل قال لنا الأمريكان إننا لن نتفاوض معكم على اتفاقية التجارة الحرة إلا إذا طبقتم عدداً من الإصلاحات السياسية والديمقراطية، فقلنا لهم إذن لا نريد التفاوض على الاتفاقية.

■ ما أسرار التهديد بقطع المعونات أو تخفيضها التى ظلت مسيطرة على الأحداث فى ظل إدارة الرئيس بوش الابن؟

- يوجد اتفاق سابق مع الرئيس «كلينتون» على تخفيض المساعدات التى تحصل عليها مصر، وكانت قيمتها ٨١٥ مليون دولار آنذاك، ٤٠ مليون دولار كل سنة على ١٠ سنوات، وعندما تركت سفارة مصر فى واشنطن كان المبلغ قد وصل إلى ٤٠٥ ملايين دولار تقريبا، لكنه تخفيض متفق عليه وليس نتيجة ضغوط، لكن فعلا أكثر من مرة هددوا مصر بعدم الحصول على المعونات وربطوها بشروط معينة منها المبلغ الأخير من المعونات، وصدر قرار بهذا الشأن بالفعل من الكونجرس الأمريكى لكنه لم يطبق.

■ ما هى هذه الشروط؟

- الإصلاح القضائى، إصلاح جهاز الشرطة، والأنفاق بيننا وبين غزة.

■ أتفهم مسألة أنفاق غزة، للحفاظ على الأمن الإسرائيلى، ولكن بماذا سيفيدهم الإصلاح القضائى أو إصلاح جهاز الشرطة؟

- كلها أدوات وأفكار المحافظين الجدد فى الضغط، الذين كانوا يريدون خلق أى ذرائع لتفكيك الوطن العربى، ونلاحظ أنهم ظلوا ينادون بالديمقراطية، وفور أن أتت حماس إلى الحكم فى فلسطين توقفوا عن المناداة بها، وبدأوا يبحثون عن ذرائع أخرى؛ مثل إصلاح جهاز الشرطة أو القضاء أو حقوق الانسان، فهو كلام حق يراد به باطل، وأنا بالطبع مع حقوق الإنسان لكن بإصلاح مصرى وليس بضغط أمريكى، وأعتقد أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تستخدم مسألة المساعدات كورقة ضغط على مصر كما كانت تفعل الإدارة السابقة.

ويجب أن نعلم أن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية مهمة ومؤثرة بالنسبة لنا، لأن أمريكا القوة العالمية الأكبر وموجودة فى كل مكان فى العالم وفى كل الملفات، لذا نهتم بها وهى أيضا تهتم بنا ليس لأننا قوة عالمية وإنما لما لنا من نفوذ وتأثير فى المنطقة وفى العالم النامى المحيط بنا.. لذا يحاولون دائما ممارسة الضغوط، وطالما أنهم يمارسون ضغوطا فى إطار ما هو مقبول، فلا مانع، ولكن إذا كانت الضغوط تضر بمصالحنا أو تحدث بلى الذراع نرفضها بشدة.

■ حتى الضغوط التى تمارس فى إطار العلاقة بيننا وبين إسرائيل؟

- لعلاقة مع إسرائيل تؤثر فى الكونجرس الأمريكى أكثر من الإدارة الأمريكية، وكلا الطرفين فى النهاية مهم بالنسبة لنا.

■ هل التزامنا الكامل باتفاقية السلام مع إسرائيل يأتى من باب مغازلة الكونجرس المسؤول عن اعتماد المساعدات لمصر رغم عدم التزام إسرائيل بها؟

- بالفعل نحن ملتزمون حرفيا بمعاهدة السلام فى حين أن إسرائيل تخل بها، ولكننا لا نلتزم بها بفعل ضغط أمريكى، إنما لأنها تحقق هدفاً مصرياً، فنحن لا نريد دخول حرب، ونسعى دائما لحل الأزمات بالدبلوماسية.

■ قلت إننا رفضنا ربط المساعدات بالإصلاح السياسى والديمقراطى.. هل يعنى ذلك أن المساعدات خفضت نتيجة لهذا الرفض؟

- الكونجرس هو الجهة التى كانت متشددة فى هذا الأمر، وأمام الرفض المصرى أدرجوا فى القرار أنه يجوز لوزير الخارجية استثناء هذا البند إذا ما رأى مصلحة فى ذلك، وبالفعل صدر القرار بالتخفيض واستخدمت كونداليزا رايس صلاحياتها ولم يتم تخفيض مليم واحد من المساعدات منذ وجودى فى واشنطن حتى انتهاء مدة خدمتى هناك.

■ ما هى حقيقة تخفيض المعونات بسبب قضية الدكتور سعد الدين إبراهيم؟

- الحقيقة أن الجانب الأمريكى اقترح إضافة ٢٠٠ مليون دولار إلى المساعدات التى تدفع إلى مصر، لأن الجانب الإسرائيلى طلب زيادة فى المساعدات، فرأت الولايات المتحدة الأمريكية عمل توازن بين ما يعطى لمصر وما يعطى لإسرائيل - طبعا توازن نسبى- فقرروا إعطاءنا هذه الزيادة، وبعد أن ظهر موضوع «سعد الدين» فى الأفق هددوا بعدم إعطائنا هذا المبلغ، وقالوا لنا صراحة مطلوب أن تتغاضوا عن موضوع سعد الدين إبراهيم وإلا لن نعطيكم الـ٢٠٠ مليون دولار فرفضنا، وقلنا لهم لن نتدخل فى شأن قضائى، ورفضنا الأمر برمته.

■ هل نفذوا تهديدهم؟

- نعم ولم يعطونا بالفعل الـ٢٠٠ مليون دولار، ولكن الأمر لم يشغلنا، لأننا لم نطلب المبلغ من الأساس، بل كان اقتراحا منهم.

■ ماذا عن قضية أيمن نور؟

- قضية أيمن نور أثيرت كثيرا فى الكونجرس الأمريكى أكثر من الإدارة الأمريكية، ولم يكن موقفنا منها مختلفا عن موقفنا من قضية سعد الدين إبراهيم، وقلنا لهم إن الأحكام القضائية ليست رهن المواقف السياسية للدول الأجنبية، ولكن لا يوجد إجراء محدد اتخذ ضد مصر بسبب أيمن نور، رغم حديث الكونجرس دائما عن القضية وتهديداته.

■ هل الاهتمام هنا كان بالأشخاص أنفسهم؟

- لا فالاهتمام كان بالحدث وليس الشخص، ولمزيد من التوضيح، هناك عدد من التيارات الأمريكية وليس تيارا واحدا اهتم بالحدث، أحد هذه التيارات هو تيار مهتم بحقوق الإنسان والديمقراطية، وتيار مخلص فى هذا الأمر، وكثيرا ما يثير مشكلات داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وبمجرد السماع عن حدث ما دون معرفة التفاصيل يطالب بالتزام الدول بمعايير حقوق الإنسان،

وهناك تيار آخر يريد انتهاز أى فرصة وأى حادث للإساءة إلى العلاقات المصرية الأمريكية والعربية الأمريكية، وتيار ثالث مقتنع بأنه بعد أحداث سبتمبر من الواجب استغلال كل الفرص لمحاولة تفتيت العالم العربى والمساس بهويته حتى لا يجتمع العرب حتى على أساس الهوية.

■ أين كان التيار الصادق المخلص الذى تتحدث عنه بعد أن أتت الانتخابات الديمقراطية بـ«حماس» فى فلسطين تحت إشراف أمريكى ولماذا كف عن المطالبة بالديمقراطية بعدها؟

- لديك حق، لكن كما قلت هذا التيار ليس الوحيد ولا التيار الحاكم، لكن عموما كل التيارات حدثت لها حالة صدمة بعد الانتخابات الفلسطينية، فسكت الجميع عن الحديث حول الانتخابات الديمقراطية، خوفا من أن تأتى بتيارات معادية للولايات المتحدة الأمريكية.

■ لماذا حصلت على إجازة من وزارة الخارجية بعد انتهاء مدتك فى واشنطن.. ولماذا لم تستمر فى العمل فى «ديوان الخارجية»؟

- أديت مهمتى فى واشنطن على أكمل وجه، وأنا راضٍ تماما عن تجربتى الدبلوماسية، وكل ما فعلته فى هذه الفترة، وأعتقد أن ٩ سنوات فى منصب واحد مدة كافية جدا، وليس لى طموح أكثر من ذلك، فواشنطن مكان رفيع المستوى يتمناه كل من يلتحق بالسلك الدبلوماسى، وأنا لا يعنينى أن آتى إلى القاهرة بعد ذلك لأحصل على منصب، فأنا لا أفكر بشكل تقليدى، والإجازة مريحة بالنسبة لى.

■ أمر من اثنين إما أن أداءك كان مغضوبا عليه، أو جيداً لدرجة أثارت لدى البعض الغيرة المهنية والخوف منك؟

- أدائى لم يكن مغضوبا عليه بل لاقى استحسان جميع رؤسائى، وعندما أنهيت مدتى ذهبت إلى أحمد أبو الغيط، الذى استقبلنى وشكرنى، وأنا الذى فاتحته فى قرارى الحصول على إجازة، وأن أخدم البلد بطريقة مختلفة، وأوضحت أننى مستعد لأى مشورة أو مساعدة.

■ أشيع أنك وزير الخارجية القادم بعد أحمد أبوالغيط؟

- ابتسم قائلا: لن يحدث تغيير وزارى قريبا.

الاثنين، 9 أغسطس 2010

No Rest for the Wicked (Immortals After Dark, Book 2)

by :Kresley Cole


For the second time in her life, Kaderin the Coldhearted hesitated to kill a vampire.

In the last instant of a silent, lethal swing, she stayed her sword an inch above the neck of her prey -- because she'd found him holding his head in his hands.

She saw his big body tense. As a vampire, he could easily trace away, disappearing. Instead, he remained, raising his face to gaze up at her with dark gray eyes, the color of a storm about to be unleashed. Surprisingly, they were clear not red -- which meant the vampire had never drunk a being to death. Yet.

He pleaded with those eyes, and she realized he hungered for an end. He wanted the death blow she'd come to his decrepit castle to deliver.

She'd stalked him soundlessly, primed for battle with a vicious predator. Kaderin had been in Scotland with other Valkyrie when they'd received the call about a "vampire haunting a castle and terrorizing a village in Russia." She had gladly volunteered to destroy it. She was her Valkyrie coven's most prolific killer, her life given over to ridding the earth of leeches.

In Scotland, on that trip alone, she'd killed three.

So why was she hesitating now? Why was she even now easing her sword back to raise it before her? He would be merely one among thousands of her kills, his fangs collected and strung together with the others she'd taken.

The last time she'd stayed her hand had resulted in a tragedy so great her heart had been broken forever by it.

In a deep, gravelly voice, the vampire asked, "Why do you wait?" He seemed startled by the sound of his own words.

I don't know why. Unfamiliar physical sensations wracked her. Her stomach knotted. As though a band had tightened around her chest, her lungs were desperate for breath. I can't comprehend why.

The wind blew outside, sliding over the mountain, making this high room in the vampire's darkened lair groan. Unseen gaps in the walls allowed the chill morning breeze in. As he stood, rising to his full, towering height, her blade caught the wavering light from a cluster of candles and reflected on him.

His grave face was lean with harsh planes, and other females would consider it handsome. His black shirt was threadbare and unbuttoned, displaying much of his chest and sculpted torso, and his worn jeans were slung low at his narrow waist. The wind tugged at the tail of his shirt and stirred his thick black hair. Very handsome. But then, the vampires I kill often are.

His gaze focused on the tip of her sword. Then, as if the threat of her weapon were forgotten, he studied her face, his eyes lingering on each of her features. His blatant appreciation unsettled her, and she clutched the hilt tightly, something she never did.

Honed to masterly sharpness with her diamond file, her sword cut through bone and muscle with little effort. It swung perfectly from her loose wrist as though it were an extension of her arm. She'd never needed to hold it tightly.

Take his head. One less vampire. The species checked in the tiniest way.

"What is your name?" His speech was clipped like an aristocrat's, but held a familiar accent. Estonian. Though Estonia bordered Russia to the west and its inhabitants were considered a Nordic breed of Russian, she recognized the difference and wondered what he was doing away from his own country.

She tilted her head. "Why do you want to know?"

"I would like to know the name of the woman who will deliver me from this."

He wanted to die. After all she'd suffered from his kind, the last thing she wanted to do was oblige the vampire in any way. "You assume I'll deliver your death blow?"

"Will you not?" His lips curled at the corners, but it was a sad smile.

Another tightening on the sword. She would. Of course, she would. Killing was her only purpose in life. She didn't care if his eyes were clear of the red that marked a vampire's bloodlust. Ultimately, he would drink to kill, and he would turn.

They always did.

He stepped around a stack of hard-bound books -- some of the hundreds of texts throughout the room with titles imprinted in Russian and, yes, Estonian -- and leaned his massive frame against the crumbling wall. He truly wasn't going to raise a hand in defense.

"Before you do, speak again. Your voice is beautiful. As beautiful as your stunning face."

She swallowed, startled to feel her cheeks heating. "Who do you align with . . . ?" She trailed off when he closed his eyes as though listening to her were bliss. "The Forbearers?"

That got him to open his eyes. They were full of anger. "I align with no one. Especially not them."

"But you were once human, weren't you?" The Forbearers were an army, or order, of turned humans. They eschewed taking blood straight from the flesh because they believed that act caused bloodlust. By forbearing, they hoped to avoid becoming like crazed Horde vampires. The Valkyrie remained unoptimistic about their chances.

"Yes, but I've no interest in that order. And you? You're no human either, are you?"

She ignored his question. "Why do you linger here in this castle?" she asked. "The villagers live in terror of you."

"I won this holding on the battlefield and rightly own it, so I stay. And I've never harmed them." He turned away and murmured, "I wish that I did not frighten them."

Kaderin needed to get this killing over with. In just three days, she was to compete in the Talisman's Hie, which was basically a deadly, immortal version of The Amazing Race. Besides hunting vampires, the Hie was the only thing she lived for, and she needed to confirm transportation and secure supplies. And yet she found herself saying, "They told me you live here alone."

He faced her and gave a sharp nod. She sensed that he was embarrassed by this fact, as if he felt lacking that he didn't have a family here.

"How long?"

He hiked his broad shoulders, pretending nonchalance. "A few centuries."

To live solitary for all that time? "The people in the valley sent for me," she said, as if she had to explain herself. The inhabitants of the remote village belonged to the Lore -- a population of immortals and "mythical" creatures kept secret from humans. Many of them still worshipped the Valkyrie and provided tributes, but that wasn't what made Kaderin travel to such an isolated place.

The chance to kill even a single vampire had drawn her. "They beseeched me to destroy you."

"Then I await your leisure."

"Why not kill yourself, if that's what you want?" she asked.

"It's . . . complicated. But you save me from that end. I know you're a skilled warrior -- "

"How do you know what I am?"

He gave a nod at her sword. "I used to be a warrior, too, and your remarkable weapon speaks much."

The one thing she felt pride in -- the one thing in her life that she had left and couldn't bear to lose -- and he'd noted its excellence.

He strode closer to her and lowered his voice. "Strike your blow, creature. Know that no misfortune could come to you for killing one such as me. There is no reason to wait."

As if this were a matter of conscience! It wasn't. It couldn't be. She had no conscience. No real feelings, no raw emotions. She was coldhearted. After the tragedy, she'd prayed for oblivion, prayed for the sorrow and guilt to be numbed.

Some mysterious entity had answered her and made her heart like ash. Kaderin didn't suffer from sorrow, from lust, from anger, or from joy. Nothing got in the way of her killing.

She was a perfect killer. She had been for one thousand years, half of her interminable life.

"Did you hear that?" he asked. The eyes that had been pleading for an end now narrowed. "Are you alone?"

She quirked an eyebrow. "I do not require help from others. Especially not for a single vampire," she added, her tone growing absent. Oddly, her attention had dipped to his body once more -- to low on his torso, past his navel to the dusky trail of hair leading down. She had a flash imagining of grazing the back of one of her sharp claws along it while his massive body clenched and shuddered in reaction.

Her thoughts were making her uneasy, making her want to wind her hair up into a knot and let the chill air cool her neck --

He cleared his throat. When she jerked her gaze to his face, he raised his eyebrows.

Caught ogling the prey! The indignity! What is wrong with me? She had no more sexual urges than the walking dead vampire before her. She shook herself, forcing herself to remember the last time she'd hesitated.

On a battlefield, an age ago, she had spared and released another of this ilk, a young vampire soldier who had begged for his life.

Yet he had seemed to scorn her for her very mercy. Without delay, the soldier had found her two full-blood sisters fighting in the flatlands below them. Alerted by a shriek from another Valkyrie, Kaderin had sprinted, stumbling down a hill draped with bodies, living and dead. Just as she'd reached them, he'd cut her sisters down.

The younger, Rika, had been taken off guard, because of Kaderin's panicked approach. The vampire had smiled when Kaderin dropped to her knees.

He'd dispatched her sisters with a brutal efficiency Kaderin had since emulated. She'd like to say she started with him, but she'd kept him alive for a time.

So, why would she repeat the same mistake? She wouldn't. She would not ignore a lesson she had paid so dearly to learn.

The sooner I get this done, the sooner I can begin preparing for the Hie.

Squaring her shoulders, she steeled herself. It's all in the follow-through. Kaderin could see the swing, knew the angle she would take so that his head would remain on his neck until he fell. It was cleaner that way. Which was important.

She'd packed her suitcase lightly.

السبت، 7 أغسطس 2010

غزوة احد

source :http://www.rasoulallah.net




استعداد قريش لمعركة ناقمة

كانت مكة تحترق غيظاً على المسلمين مما أصابها في معركة بدر من مأساة الهزيمة وقتل الصناديد والأشراف ، وكانت تجيش فيها نزعات الانتقام وأخذ الثأر ، حتى إن قريشاً كانوا قد منعوا البكاء على قتلاهم في بدر ، ومنعوا من الاستعجال في فداء الأسارى حتى لا يتفطن المسلمون مدي مأساتهم وحزنهم ‏.‏

وعلى أثر غزوة بدر اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين تشفي غيظها وتروي غلة حقدها ، وأخذت في الاستعداد للخوض في مثل هذه المعركة ‏.‏

وكان عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وأبو سفيان بن حرب ، وعبد الله بن أبي ربيعة أكثر زعماء قريش نشاطاً وتحمساً لخوض المعركة ‏.‏

وأول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التي كان قد نجا بها أبو سفيان ، والتي كانت سبباً لمعركة بدر ، وقالوا للذين كانت فيها أموالهم ‏:‏ يا معشر قريش ، إن محمداً قد وَتَرَكُم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه ، لعلنا أن ندرك منه ثأراً ، فأجابوا لذلك ، فباعوها ، وكانت ألف بعير ، والمال خمسين ألف دينار ، وفي ذلك أنزل الله تعالى ‏:‏ ‏"‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ‏" "‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 36‏]‏

ثم فتحوا باب التطوع لكل من أحب المساهمة في غزو المسلمين من الأحابيش وكنانة وأهل تهامة ، وأخذوا لذلك أنواعا من طرق التحريض ، حتى إن صفوان بن أمية أغري أبا عزة الشاعر ـ الذي كان قد أسر في بدر ، فَمَنَّ عليه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وأطلق سراحه بغير فدية ، وأخذ منه العهد بألا يقوم ضده ـ أغراه على أن يقوم بتحريض القبائل ضد المسلمين ، وعاهده أنه إن رجع عن الغزوة حياً يغنيه، وإلا يكفل بناته ، فقام أبو عزة بتحريض القبائل بأشعاره التي كانت تذكي حفائظهم ، كما اختاروا شاعراً آخر ـ مُسَافع بن عبد مناف الجمحي ـ لنفس المهمة ‏.‏

وكان أبو سفيان أشد تأليباً على المسلمين بعدما رجع من غزوة السَّوِيق خائباً لم ينل ما في نفسه ، بل أضاع مقدارًا كبيراً من تمويناته في هذه الغزوة‏ .‏

وزاد الطينة بلة ـ أو زاد النار إذكاء ، إن صح هذا التعبير ـ ما أصاب قريشاً أخيراً في سرية زيد بن حارثة من الخسارة الفادحة التي قصمت فقار اقتصادها ، وزودها من الحزن والهم ما لا يقادر قدره ، وحينئذ زادت سرعة قريش في استعدادها للخوض في معركة تفصل بينهم وبين المسلمين ‏.‏




قوام جيش قريش وقيادته


ولما استدارت السنة كانت مكة قد استكملت عدتها ، واجتمع إليها من المشركين ثلاثة آلاف مقاتل من قريش والحلفاء والأحابيش ، ورأي قادة قريش أن يستصحبوا معهم النساء حتى يكون ذلك أبلغ في استماتة الرجال دون أن تصاب حرماتهم وأعراضهم ، وكان عدد هذه النسوة خمس عشرة امرأة ‏.‏

وكان سلاح النقليات في هذا الجيش ثلاثة آلاف بعير ، ومن سلاح الفرسان مائتا فرس ، جنبوها طول الطريق ، وكان من سلاح الوقاية سبعمائة درع‏ .‏

وكانت القيادة العامة إلى أبي سفيان بن حرب ، وقيادة الفرسان إلى خالد بن الوليد يعاونه عكرمة بن أبي جهل ‏.‏

أما اللواء فكان إلى بني عبد الدار ‏.‏



جيش مكة يتحرك




تحرك الجيش المكي بعد هذا الإعداد التام نحو المدينة ، وكانت الثارات القديمة والغيظ الكامن يشعل البغضاء في القلوب ، ويشف عما سوف يقع من قتال مرير ‏.‏

الاستخبارات النبوية تكشف حركة العدو


وكان العباس بن عبد المطلب يرقب حركات قريش واستعداداتها العسكرية ، فلما تحرك هذا الجيش بعث العباس رسالة مستعجلة إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) ضمنها جميع تفاصيل الجيش ‏.‏

وأسرع رسول العباس بإبلاغ الرسالة ، وجد في السير حتى إنه قطع الطريق بين مكة والمدينة ـ التي تبلغ مسافتها إلى نحو خمسمائة كيلو متراً ـ في ثلاثة أيام ، وسلم الرسالة إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) وهو في مسجد قباء ‏.‏

قرأ الرسالة على النبي(صلى الله عليه وسلم) أبي بن كعب ، فأمره بالكتمان ، وعاد مسرعاً إلى المدينة ، وتبادل الرأي مع قادة المهاجرين والأنصار



‏.

استعداد المسلمين للطوارئ


وظلت المدينة في حالة استنفار عام لا يفارق رجالها السلاح حتى وهم في الصلاة ، استعداداً للطوارئ ‏.‏

وقامت مفرزة من الأنصار ـ فيهم سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، وسعد بن عبادة ـ بحراسة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فكانوا يبيتون على بابه وعليهم السلاح ‏.‏

وقامت على مداخل المدينة وأنقابها مفرزات تحرسها ، خوفا من أن يؤخذوا على غرة

وقامت دوريات من المسلمين ـ لاكتشاف تحركات العدو ـ تتجول حول الطرق التي يحتمل أن يسلكها المشركون للإغارة على المسلمين ‏.‏





الجيش المكي إلى أسوار المدينة


وتابع جيش مكة سيره على الطريق الغربية الرئيسية المعتادة ، ولما وصل إلى الأبْوَاء اقترحت هند بنت عتبة ـ زوج أبي سفيان ـ بنبش قبر أم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، بَيدَ أن قادة الجيش رفضوا هذا الطلب ، وحذروا من العواقب الوخيمة التي تلحقهم لو فتحو هذا الباب ‏.‏

ثم واصل جيش مكة سيره حتى اقترب من المدينة ، فسلك وادي العَقيق ، ثم انحرف منه إلى ذات اليمين حتى نزل قريباً بجبل أحد ، في مكان يقال له ‏:‏ عَينَيْن ، في بطن السَّبْخَة من قناة على شفير الوادي ـ الذي يقع شمإلى المدينة بجنب أحـد ، فعسكر هناك يوم الجمعة السادس من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة ‏.‏





المجلس الاستشاري لأخذ خطة الدفاع


ونقلت استخبارات المدينة أخبار جيش مكة خبراً بعد خبر حتى الخبر الأخير عن معسكره ، وحينئذ عقد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) مجلساً استشارياً عسكرياً أعلى ، تبادل فيه الرأي لاختيار الموقف ، وأخبرهم عن رؤيا رآها ، قال‏:‏ "‏إني قد رأيت والله خيراً ، رأيت بقراً يذبح ، ورأيت في ذُبَاب سيفي ثُلْماً ، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة "‏ ، وتأوّل البقر بنفر من أصحابه يقتلون ، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته ، وتأول الدرع بالمدينة‏ . ‏

ثم قدم رأيه إلى صحابته ألا يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها ، فإن أقام المشركون بمعسكرهم أقاموا بِشَرِّ مُقَام وبغير جدوى ، وإن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة ، والنساء من فوق البيوت ، وكان هذا هو الرأي ‏.‏

ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي بن سلول ـ رأس المنافقين ـ وكان قد حضر المجلس بصفته أحد زعماء الخزرج ‏.‏ ويبدو أن موافقته لهذا الرأي لم تكن لأجل أن هذا هو الموقف الصحيح من حيث الوجهة العسكرية ، بل ليتمكن من التباعد عن القتال دون أن يعلم بذلك أحد ، وشاء الله أن يفتضح هو وأصحابه ـ لأول مرة ـ أمام المسلمين وينكشف عنهم الغطاء الذي كان كفرهم ونفاقهم يكمن وراءه ، ويتعرف المسلمون في أحرج ساعاتهم على تلك الأفاعي التي كانت تتحرك تحت ملابسهم وأكمامهم‏.‏

فقد بادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر ومن غيرهم ، فأشاروا على النبي(صلى الله عليه وسلم) بالخروج ، وألحوا عليه في ذلك حتى قال قائلهم ‏:‏ يا رسول الله ، كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله ، فقد ساقه إلينا وقرب المسير ، اخرج إلى أعدائنا ، لا يرون أنا جَبُنَّا عنهم ‏.‏

وكان في مقدمة هؤلاء المتحمسين حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ـ الذي كان قد أبلي أحسن بلاء في معركة بدر ـ فقد قال للنبي(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم طعاماً حتى أجالدهم بسيفي خارج المدينة ‏.‏

وتنازل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) عن رأيه مراعاة لهؤلاء المتحمسين ، واستقر الرأي على الخروج من المدينة ، واللقاء في الميدان السافر ‏.‏




تكتيب الجيش الإسلامي وخروجه إلى ساح القتال


ثم صلى النبي(صلى الله عليه وسلم) بالناس يوم الجمعة ، فوعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد ، وأخبر أن لهم النصر بما صبروا ، وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ، ففرح الناس بذلك‏ .‏ ثم صلى بالناس العصر ، وقد حشدوا وحضر أهل العَوَالي ، ثم دخل بيته ، ومعه صاحباه أبو بكر وعمر ، فعمماه وألبساه ، فتدجج بسلاحه وظاهر بين درعين ‏[ ‏أي لبس درعا فوق درع ‏]‏ وتقلد السيف ، ثم خرج على الناس ‏.‏

وكان الناس ينتظرون خروجه ، وقد قال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير ‏:‏ استكرهتم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) على الخروج فردوا الأمر إليه ، فندموا جميعاً على ما صنعوا ، فلما خرج قالوا له ‏:‏ يا رسول الله ، ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت ، إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل ‏.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)‏ :‏ ‏" ‏ما ينبغي لنبي إذا لبس لأْمَتَه ـ وهي الدرع ـ أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه "‏ ‏.‏

وقسم النبي(صلى الله عليه وسلم) جيشه إلى ثلاث كتائب‏ :‏

1‏.‏ كتيبة المهاجرين ، وأعطي لواءها مصعب بن عمير العبدري‏ .‏

2‏.‏ كتيبة الأوس من الأنصار ، وأعطي لواءها أسيد بن حضير ‏.‏

3‏.‏ كتيبة الخزرج من الأنصار ، وأعطي لواءها الحُبَاب بن المنذر‏ .‏

وكان الجيش متألفاً من ألف مقاتل فيهم مائة دارع ، ولم يكن فيهم من الفرسان أحد ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقي في المدينة ، وآذن بالرحيل ، فتحرك الجيش نحو الشمال ، وخرج السعدان أمام النبي(صلى الله عليه وسلم) يعدوان دارعين ‏.‏

ولما جاوز ثنية الوداع رأي كتيبة حسنة التسليح منفردة عن سواد الجيش ، فسأل عنها ، فأخبر أنهم اليهود من حلفاء الخزرج يرغبون المساهمة في القتال ضد المشركين ، فسأل ‏:‏ ‏" هل أسلموا ‏؟‏‏ "‏ فقالوا ‏: ‏لا ، فأبى أن يستعين بأهل الكفر على أهل الشرك ‏.‏



استعراض الجيش


وعندما وصل إلى مقام يقال له ‏:‏ ‏[ ‏الشيخان‏ ]‏ استعرض جيشه ، فرد من استصغره ولم يره مطيقاً للقتال ، وكان منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب وأسامة بن زيد ، وأسيد بن ظُهَير ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وعَرَابَة بن أوْس ، وعمرو بن حزم ، وأبو سعيد الخدري ، وزيد بن حارثة الأنصاري ، وسعد بن حَبَّة ، ويذكر في هؤلاء البراء بن عازب ، لكن حديثه في البخاري يدل على شهوده القتال ذلك اليوم ‏.‏

وأجاز رافع بن خَدِيج ، وسَمُرَة بن جُنْدَب على صغر سنهما ، وذلك أن رافع بن خديج كان ماهراً في رماية النبل فأجازه ، فقال سمرة‏ :‏ أنا أقوي من رافع ، أنا أصرعه ، فلما أخبر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بذلك أمرهما أن يتصارعا أمامه فتصارعا ، فصرع سمرة رافعاً ، فأجازه أيضاً‏ .‏



المبيت بين أحد والمدينة



وفي هذا المكان أدركهم المساء ، فصلى المغرب ، ثم صلى العشاء ، وبات هنالك ، واختار خمسين رجلاً لحراسة المعسكر يتجولون حوله ، وكان قائدهم محمد بن مسلمة الأنصاري ، بطل سرية كعب بن الأشرف ، وتولي ذَكْوَان بن عبد قيس حراسة النبي(صلى الله عليه وسلم) خاصة ‏.‏




تمرد عبد الله بن أبي وأصحابه


وقبل طلوع الفجر بقليل أدلج ، حتى إذا كان بالشَّوْط صلى الفجر ، وكان بمقربة جداً من العدو ، فقد كان يراهم ويرونه ، وهناك تمرد عبد الله بن أبي المنافق ، فانسحب بنحو ثلث العسكر ـ ثلاثمائة مقاتل ـ قائلاً ‏:‏ ما ندري علام نقتل أنفسنا ‏؟‏ ومتظاهراً بالاحتجاج بأن الرسول(صلى الله عليه وسلم) ترك رأيه وأطاع غيره ‏.‏

ولا شك أن سبب هذا الانعزال لم يكن هو ما أبداه هذا المنافق من رفض رسول الله(صلى الله عليه وسلم) رأيه ، وإلا لم يكن لسيره مع الجيش النبوي إلى هذا المكان معنى‏ .‏ بل لو كان هذا هو السبب لا نعزل عن الجيش منذ بداية سيره ، بل كان هدفه الرئيسي من هذا التمرد ـ في ذلك الظرف الدقيق ـ أن يحدث البلبلة والاضطراب في جيش المسلمين على مرأى ومسمع من عدوهم ، حتى ينحاز عامة الجيش عن النبي(صلى الله عليه وسلم) ، وتنهار معنويات من يبقي معه ، بينما يتشجع العدو ، وتعلو همته لرؤية هذا المنظر ، فيكون ذلك أسرع إلى القضاء على النبي(صلى الله عليه وسلم) وأصحابه المخلصين ، ويصحو بعد ذلك الجو لعودة الرياسة إلى هذا المنافق وأصحابه‏ .‏

وكاد المنافق ينجح في تحقيق بعض ما كان يهدف إليه ، فقد همت طائفتان ـ بنو حارثة من الأوس ، وبنو سلمة من الخزرج ـ أن تفشلا ، ولكن الله تولاهما ، فثبتتا بعدما سرى فيهما الاضطراب ، وهمتا بالرجوع والانسحاب ، وعنهما يقول الله تعالى ‏:‏ ‏" ‏إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏ "‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 122‏] ‏‏.‏

وحاول عبد الله بن حَرَام ـ والد جابر بن عبد الله ـ تذكير هؤلاء المنافقين بواجبهم في هذا الظرف الدقيق ، فتبعهم وهو يوبخهم ويحضهم على الرجوع ، ويقول ‏:‏ تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا ‏:‏ لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع ، فرجع عنهم عبد الله بن حرام قائلاً ‏:‏ أبعدكم الله أعداء الله ، فسيغني الله عنكم نبيه ‏.‏

وفي هؤلاء المنافقين يقول الله تعالى ‏:‏ ‏" ‏وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ‏ "‏[‏آل عمران‏:‏ 167‏]‏‏



بقية الجيش الإسلامي إلى أحد


وبعد هذا التمرد والانسحاب قام النبي(صلى الله عليه وسلم) ببقية الجيش ـ وهم سبعمائة مقاتل ـ ليواصل سيره نحو العدو، وكان معسكر المشركين يحول بينه وبين أحد في مناطق كثيرة ، فقال ‏:‏ ‏" من رجل يخرج بنا على القوم من كَثَبٍ ـ أي من قريب ـ من طريق لا يمر بنا عليهم ‏؟‏‏ "‏‏.‏

فقال أبو خَيثَمةَ‏ :‏ أنا يا رسول الله ، ثم اختار طريقاً قصيراً إلى أحد يمر بحَرَّةِ بني حارثة وبمزارعهم ، تاركاً جيش المشركين إلى الغرب ‏.‏

ومر الجيش في هذا الطريق بحائط مِرْبَع بن قَيظِي ـ وكان منافقاً ضرير البصر ـ فلما أحس بالجيش قام يحثو التراب في وجوه المسلمين ، ويقول ‏:‏ لا أحل لك أن تدخل حائطي إن كنت رسول الله‏ .‏ فابتدره القوم ليقتلوه ، فقال(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏"‏ لا تقتلوه ، فهذا الأعْمَى أعمى القلب أعمى البصر "‏‏.‏

ونفذ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حتى نزل الشعب من جبل أحد في عدوة الوادي ، فعسكر بجيشه مستقبلاً المدينة ، وجاعلا ظهره إلى هضاب جبل أحد ، وعلى هذا صار جيش العدو فاصلاً بين المسلمين وبين المدينة ‏.‏



خطة الدفاع


وهناك عبأ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) جيشه ، وهيأهم صفوفاً للقتال ، فاختار منهم فصيلة من الرماة الماهرين ، قوامها خمسون مقاتلاً ، وأعطي قيادتها لعبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري الأوسي البدري ، وأمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الشمالية من وادي قناة ـ وعرف فيما بعد بجبل الرماة ـ جنوب شرق معسكر المسلمين ، على بعد حوالى مائة وخمسين متراً من مقر الجيش الإسلامي ‏.‏

والهدف من ذلك هو ما أبداه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في كلماته التي ألقاها إلى هؤلاء الرماة ، فقد قال لقائدهم ‏:‏ "‏انضح الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك ، لا نؤتين من قبلك "‏ وقال للرماة ‏:‏ "‏احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا‏ "‏، وفي رواية البخاري أنه قال ‏:‏ "‏إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم‏ "‏.‏

بتعين هذه الفصيلة في الجبل مع هذه الأوامر العسكرية الشديدة سد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) الثلمة الوحيدة التي كان يمكن لفرسان المشركين أن يتسللوا من ورائها إلى صفوف المسلمين ، ويقوموا بحركات الالتفاف وعملية التطويق ‏.‏

أما بقية الجيش فجعل على الميمنة المنذر بن عمرو ، وجعل على الميسرة الزبير بن العوام ، يسانده المقداد بن الأسود ، وكان إلى الزبير مهمة الصمود في وجه فرسان خالد بن الوليد ، وجعل في مقدمة الصفوف نخبة ممتازة من شجعان المسلمين ورجالاتهم المشهورين بالنجدة والبسالة ، والذين يوزنون بالآلاف ‏.‏

ولقد كانت خطة حكيمة ودقيقة جداً ، تتجلي فيها عبقرية قيادة النبي(صلى الله عليه وسلم) العسكرية ، وأنه لا يمكن لأي قائد مهما تقدمت كفاءته أن يضع خطة أدق وأحكم من هذا ، فقد احتل أفضل موضع من ميدان المعركة ، مع أنه نزل فيه بعد العدو ، فإنه حمي ظهره ويمينه بارتفاعات الجبل ، وحمي ميسرته وظهره ـ حين يحتدم القتال ـ بسد الثلمة الوحيدة التي كانت توجد في جانب الجيش الإسلامي ، واختار لمعسكره موضعاً مرتفعاً يحتمي به ـ إذا نزلت الهزيمة بالمسلمين ـ ولا يلتجئ إلى الفرار ، حتى يتعرض للوقوع في قبضة الأعداء المطاردين وأسرهم ، ويلحق مع ذلك خسائر فادحة بأعدائه إن أرادوا احتلال معسكره وتقدموا إليه ، وألجأ أعداءه إلى قبول موضع منخفض يصعب عليهم جداً أن يحصلوا على شيء من فوائد الفتح إن كانت الغلبة لهم ، ويصعب عليهم الإفلات من المسلمين المطاردين إن كانت الغلبة للمسلمين ، كما أنه عوض النقص العددي في رجاله باختيار نخبة ممتازة من أصحابه الشجعان البارزين ‏.‏



وهكذا تمت تعبئة الجيش النبوي صباح يوم السبت السابع من شهر شوال سنة 3هـ‏

الرسول(صلى الله عليه وسلم) ينفث روح البسالة في الجيش


ونهى الرسول(صلى الله عليه وسلم) الناس عن الأخذ في القتال حتى يأمرهم ، وظاهر بين درعين ، وحرض أصحابه على القتال ، وحضهم على المصابرة والجلاد عند اللقاء ، وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه حتى جرد سيفاً باتراً ونادى أصحابه ‏:‏ "‏ من يأخذ هذا السيف بحقه‏ ؟ "‏ ، فقام إليه رجال ليأخذوه ـ منهم على بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وعمر بن الخطاب ـ حتى قام إليه أبو دُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة ، فقال‏ :‏ وما حقه يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ ‏" ‏أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني "‏‏ .‏ قال‏:‏ أنا آخذه بحقه يا رسول الله ، فأعطاه إياه ‏.‏

وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب ، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت ‏.‏

فلما أخذ السيف عصب رأسه بتلك العصابة ، وجعل يتبختر بين الصفين ، وحينئذ قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏"‏إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن‏ "‏‏.‏

تعبئة الجيش المكي


أما المشركون فعبأوا جيشهم حسب نظام الصفوف ، فكانت القيادة العامة إلى أبي سفيان صخر بن حرب الذي تمركز في قلب الجيش، وجعلوا على الميمنة خالد بن الوليد ـ وكان إذ ذاك مشركاً ـ وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، وعلى المشاة صفوان ابن أمية ، وعلى رماة النبل عبد الله بن أبي ربيعة ‏.‏

أما اللواء فكان إلى مفرزة من بني عبد الدار ، وقد كان ذلك منصبهم منذ أن اقتسمت بنو عبد مناف المناصب التي ورثوها من قصي بن كلاب ، وكان لا يمكن لأحد أن ينازعهم في ذلك ، تقيداً بالتقاليد التي ورثوها كابراً عن كابر ، بيد أن القائد العام ـ أبا سفيان ـ ذكرهم بما أصاب قريشاً يوم بدر حين أسر حامل لوائهم النضر بن الحارث ، وقال لهم ـ ليستفز غضبهم ويثير حميتهم ‏:‏ يا بني عبد الدار ، قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم ، وإنما يؤتي الناس من قبل راياتهم ، وإذا زالت زالوا ، فإما أن تكفونا لواءنا ، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه‏ .‏

ونجح أبو سفيان في هدفه ، فقد غضب بنو عبد الدار لقول أبي سفيان أشد الغضب ، وهموا به وتواعدوه وقالوا له ‏:‏ نحن نسلم إليك لواءنا ‏؟‏ ستعلم غداً إذا التقينا كيف نصنع‏ .‏

وقد ثبتوا عند احتدام المعركة حتى أبيدوا عن بكرة أبيهم ‏.‏

مناورات سياسية من قبل قريش


وقبيل نشوب المعركة حاولت قريش إيقاع الفرقة والنزاع داخل صفوف المسلمين ‏.‏ فقد أرسل أبو سفيان إلى الأنصار يقول لهم ‏:‏ خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم ، فلا حاجة لنا إلى قتالكم ‏.‏

ولكن أين هذه المحاولة أمام الإيمان الذي لا تقوم له الجبال ، فقد رد عليه الأنصار رداً عنيفاً ، وأسمعوه ما يكره ‏.‏

واقتربت ساعة الصفر ، وتدانت الفئتان ، فقامت قريش بمحاولة أخرى لنفس الغرض ، فقد خرج إلى الأنصار عميل خائن يسمي أبا عامر الفاسق ـ واسمه عبد عمرو ابن صَيفِي ، وكان يسمي الراهب ، فسماه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) الفاسق ، وكان رأس الأوس في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام شَرِق به ، وجاهر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بالعداوة ، فخرج من المدينة وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ويحضهم على قتاله ، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه ، ومالوا معه ـ فكان أول من خرج إلى المسلمين في الأحابيش وعُبْدَان أهل مكة ‏.‏

فناد قومه وتعرف عليهم ، وقال ‏:‏ يا معشر الأوس ، أنا أبو عامر‏ .‏ فقالوا ‏:‏ لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق ‏.‏ فقال‏ :‏ لقد أصاب قومي بعدي شر ‏.‏ ( ولما بدأ القتال قاتلهم قتالاً شديداً وراضخهم بالحجارة‏ ) .‏

وهكذا فشلت قريش في محاولتها الثانية للتفريق بين صفوف أهل الإيمان ‏.‏ ويدل عملهم هذا على ما كان يسيطر عليهم من خوف المسلمين وهيبتهم ، مع كثرتهم وتفوقهم في العدد والعدة‏ .‏

جهود نسوة قريش في التحميس


وقامت نسوة قريش بنصيبهن من المشاركة في المعركة ، تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان ، فكن يتجولن في الصفوف ، ويضربن بالدفوف ، يستنهضن الرجال ، ويحرضن على القتال ، ويثرن حفائظ الأبطال ، ويحركن مشاعر أهل الطعان والضراب والنضال ، فتارة يخاطبن أهل اللواء فيقلن ‏:‏

وَيْها بني عبد الدار

ويها حُمَاة الأدبار

ضـرباً بكـل بتـــار


وتارة يأززن قومهن على القتال وينشدن‏ :‏

إن تُـقْبلُـوا نُعَانـِــق
أو تُـدْبِـرُوا نُفـَــارِق

ونَفــْرِشُ النمــارق
فــراق غيـر وَامـِق




أول وقود المعركة


وتقارب الجمعان وتدانت الفئتان ، وآنت مرحلة القتال ، وكان أول وقود المعركة حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة العبدري ، وكان من أشجع فرسان قريش ، يسميه المسلمون كبش الكتيبة ‏.‏

خرج وهو راكب على جمل يدعو إلى المبارزة ، فأحجم عنه الناس لفرط شجاعته ، ولكن تقدم إليه الزبير ولم يمهله ، بل وثب إليه وثبة الليث حتى صار معه على جمله ، ثم اقتحم به الأرض فألقاه عنه وذبحه بسيفه ‏.‏

ورأى النبي(صلى الله عليه وسلم) هذا الصراع الرائع فكبر ، وكبر المسلمون وأثنى على الزبير ، وقال في حقه ‏:‏ ‏" ‏إن لكل نبي حوارياً ، وحواريي الزبير‏ "‏ ‏.‏



ثقل المعركة حول اللواء وإبادة حملته


ثم اندلعت نيران المعركة ، واشتد القتال بين الفريقين في كل نقطة من نقاط الميدان ، وكان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين ، فقد تعاقب بنو عبد الدار لحمل اللواء بعد قتل قائدهم طلحة بن أبي طلحة ، فحمله أخوه أبو شيبة عثمان بن أبي طلحة ، وتقدم للقتال وهو يقول ‏:‏

إنَّ على أهْل اللوَاء حقــاً

أن تُخْضَبَ الصَّعْدَة أو تَنْدَقَّا


فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه على عاتقه ضربة بترت يده مع كتفه ، حتى وصلت إلى سرته ، فبانت رئته ‏.‏

ثم رفع اللواء أبو سعد بن أبي طلحة ، فرماه سعد بن أبي وقاص بسهم أصاب حنجرته ، فأُدْلِعَ لسانُهُ ومات لحينه ‏.‏ وقيل ‏:‏ بل خرج أبو سعد يدعو إلى البراز ، فتقدم إليه على بن أبي طالب ، فاختلفا ضربتين ، فضربه علي فقتله ‏.‏

ثم رفع اللواء مُسَافع بن طلحة بن أبي طلحة ، فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأفْلَح بسهم فقتله ، فحمل اللواء بعده أخوه كِلاَب بن طلحة بن أبي طلحة ، فانقض عليه الزبير بن العوام وقاتله حتى قتله ، ثم حمل اللواء أخوهما الجُلاَس بن طلحة بن أبي طلحة ، فطعنه طلحة بن عبيد الله طعنة قضت على حياته ‏.‏

وقيل‏ :‏ بل رماه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح بسهم فقضي عليه ‏.‏

هؤلاء ستة نفر من بيت واحد ، بيت أبي طلحة عبد الله بن عثمان بن عبد الدار ، قتلوا جميعاً حول لواء المشركين ، ثم حمله من بني عبد الدار أرطاة بن شُرَحْبِيل ، فقتله على بن أبي طالب ، وقيل‏ :‏ حمزة بن عبد المطلب ، ثم حمله شُرَيح بن قارظ فقتله قُزْمَان ـ وكان منافقاً قاتل مع المسلمين حمية ، لا عن الإسلام ـ ثم حمله أبو زيد عمرو بن عبد مناف العبدري ، فقتله قزمان أيضاً ، ثم حمله ولد لشرحبيل بن هاشم العبدري فقتله قزمان أيضاً ‏.‏

فهؤلاء عشرة من بني عبد الدار ـ من حمله اللواء ـ أبيدوا عن آخرهم ، ولم يبق منهم أحد يحمل اللواء ‏.‏ فتقدم غلام لـهم حبشي ـ اسمه صُوَاب ـ فحمل اللواء ، وأبدى من صنوف الشجاعة والثبات ما فاق به مواليه من حملة اللواء الذين قتلوا قبله ، فقد قاتل حتى قطعت يداه ، فبرك على اللواء بصدره وعنقه ، لئلا يسقط ، حتى قتل وهو يقول ‏:‏ اللّهم هل أعزرت ‏؟‏ يعني هل أعذرت ‏؟ ‏‏.‏

وبعد أن قتل هذا الغلام ـ صُواب ـ سقط اللواء على الأرض ، ولم يبق أحد يحمله ، فببقي ساقطاً ‏.

القتال في بقية النقاط


وبينما كان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين كان القتال المرير يجري في سائر نقاط المعركة ، وكانت روح الإيمان قد سادت صفوف المسلمين ، فانطلقوا خلال جنود الشرك انطلاق الفيضان تتقطع أمامه السدود ، وهم يقولون ‏:‏ ‏[‏ أمت ، أمت‏ ]‏ كان ذلك شعاراً لهم يوم أحد ‏.‏

أقبل أبو دُجَانة معلماً بعصابته الحمراء ، آخذاً بسيف رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، مصمماً على أداء حقه ، فقاتل حتى أمعن في الناس ، وجعل لا يلقي مشركاً إلا قتله ، وأخذ يهد صفوف المشركين هدّا ‏.

‏قال الزبير بن العوام ‏:‏ وجدت في نفسي حين سألت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) السيف فمنعنيه ، وأعطاه أبا دجانة ، وقلت ـ أي في نفسي ‏:‏ أنا ابن صفية عمته ، ومن قريش ، وقد قمت إليه ، فسألته إياه قبله فآتاه إياه وتركني ، والله لأنظرن ما يصنع ‏؟‏ فاتبعته ، فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه ، فقالت الأنصار ‏:‏ أخرج أبو دجانة عصابة الموت ، فخرج وهو يقول ‏:‏
أنا الذي عاهـدني خليلي ** ونحـن بالسَّفْح لدى النَّخِيل
ألا أقوم الدَّهْرَ في الكَيول ** أضْرِبْ بسَيف الله والرسول

فجعل لا يلقى أحداً إلا قتله ، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحاً إلا ذَفَّفَ عليه ، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه ، فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا ، فاختلفا ضربتين ، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته ، فَعَضَّتْ بسيفه ، فضربه أبو دجانة فقتله ‏.‏

ثم أمعن أبو دجانة في هدِّ الصفوف ، حتى خلص إلى قائدة نسوة قريش ، وهو لا يدري بها‏ .‏

قال أبو دجانة‏ : ‏رأيت إنساناً يخْمِش الناس خمشاً شديداً ، فصمدت له ، فلما حملت عليه السيف ولَوْل َ، فإذا امرأة ، فأكرمت سيف رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أن أضرب به امرأة ‏.‏

وكانت تلك المرأة هي هند بنت عتبة‏ .‏ قال الزبير بن العوام‏ :‏ رأيت أبا دجانة قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ، ثم عدل السيف عنها ، فقلت ‏: ‏الله ورسوله أعلم ‏.‏

وقاتل حمزة بن عبد المطلب قتال الليوث المهتاجة ، فقد اندفع إلى قلب جيش المشركين يغامر مغامرة منقطعة النظير ، ينكشف عنه الأبطال كما تتطاير الأوراق أمام الرياح الهوجاء ، فبالإضافة إلى مشاركته الفعالة في إبادة حاملي لواء المشركين فعل الأفاعيل بأبطالهم الآخرين ، حتى صرع وهو في مقدمة المبرزين ، ولكن لا كما تصـرع الأبطال وجهاً لوجـه في ميدان القتـال ، وإنما كمـا يغتال الكرام في حلك الظـلام‏ .‏







مصرع أسد الله حمزة بن عبد المطلب


يقول قاتل حمزة وحْشِي بن حرب‏ :‏ كنت غلاماً لجبير بن مُطْعِم ، وكان عمه طُعَيمَة بن عدي قد أصيب يوم بدر ، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير ‏:‏ إنك إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق ‏.‏

قال ‏:‏ فخرجت مع الناس ـ وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة ، قلما أخطئ بها شيئاً ـ فلما التقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره ، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأوْرَق ، يهُدُّ الناس هدّا ما يقوم له شيء ‏.‏ فوالله إني لأتهيأ له أريده ، فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سِبَاع بن عبد العزي ، فلما رآه حمزة قال له ‏:‏ هلم إلى يابن مُقَطِّعَة البُظُور ـ وكانت أمه ختانة ـ قال ‏:‏ فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه ‏.‏

قال ‏:‏ وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه ، فوقعت في ثُنَّتِه ـ أحشائه ـ حتى خرجت من بين رجليه ، وذهب لينوء نحوي فَغُلِبَ ، وتركته وإياها حتى مات ، ثم أتيته فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه ، ولم يكن لي بغيره حاجة ، وإنما قتلته لأعتق ، فلما قدمت مكة عتقت ‏.‏





السيطرة على الموقف


وبرغم هذه الخسارة الفادحة التي لحقت المسلمين بقتل أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب ، ظل المسلمون مسيطرين على الموقف كله ‏.‏

فقد قاتل يومئذ أبو بكر ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، ومصعب بن عمير ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الله بن جحش ، وسعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، وسعد بن الربيع ، وأنس بن النضر وأمثالهم قتالاً فَلَّ عزائم المشركين ، وفتَّ في أعضادهم‏ .‏





من أحضان المرأة إلى مقارعة السيوف والدرقة


وكان من الأبطال المغامرين يومئذ حَنْظَلة الغَسِيل ـ وهو حنظلة بن أبي عامر ، وأبو عامر هذا هو الراهب الذي سمي بالفاسق ، والذي مضي ذكره قريباً ـ كان حنظلة حديث عهد بالعُرْس ، فلما سمع هواتف الحرب وهو على امرأته انخلع من أحضانها ، وقام من فوره إلى الجهاد ، فلما التقى بجيش المشركين في ساحة القتال أخذ يشق الصفوف حتى خلص إلى قائد المشركين أبي سفيان صخر بن حرب ، وكاد يقضي عليه لولا أن أتاح الله له الشهادة ، فقد شد على أبي سفيان ، فلما استعلاه وتمكن منه رآه شداد بن الأسود فضربه حتى قتله‏ .‏





نصيب فصيلة الرماة في المعركة


وكانت للفصيلة التي عينها الرسول(صلى الله عليه وسلم) على جبل الرماة يد بيضاء في إدارة دفة القتال لصالح الجيش الإسلامي ، فقد هجم فرسان مكة بقيادة خالد بن الوليد يسانده أبو عامر الفاسق ثلاث مرات ، ليحطموا جناح الجيش الإسلامي الأيسر ، حتى يتسربوا إلى ظهور المسلمين ، فيحدثوا البلبلة والارتباك في صفوفهم وينزلوا عليهم هزيمة ساحقة ، ولكن هؤلاء الرماة رشقوهم بالنبل حتى فشلت هجماتهم الثلاث‏ .‏





الهزيمة تنزل بالمشركين


هكذا دارت رحى الحرب الزَّبُون ، وظل الجيش الإسلامي الصغير مسيطرًا على الموقف كله حتى خارت عزائم أبطال المشركين ، وأخذت صفوفهم تتبدد عن اليمين والشمال والأمام والخلف ، كأن ثلاثة آلاف مشرك يواجهون ثلاثين ألف مسلم لا بضع مئات قلائل، وظهر المسلمون في أعلى صور الشجاعة واليقين ‏.‏

وبعد أن بذلت قريش أقصى جهدها لسد هجوم المسلمين أحست بالعجز والخور ، وانكسرت همتها ـ حتى لم يجترئ أحد منها أن يدنو من لوائها الذي سقط بعد مقتل صُؤاب فيحمله ليدور حوله القتال ـ فأخذت في الانسحاب ، ولجأت إلى الفرار ، ونسيت ما كانت تتحدث به في نفوسها من أخذ الثأر والوتر والانتقام ، وإعادة العز والمجد والوقار ‏.‏

قال ابن إسحاق‏ :‏ ثم أنزل الله نصره على المسلمين ، وصدقهم وعده ، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن المعسكر ، وكانت الهزيمة لاشك فيها ‏.‏

روى عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه قال‏ :‏ والله لقد رأيتني أنظر إلى خَدَم ـ سوق ـ هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ، ما دون أخذهن قليل ولا كثير ‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ .‏

وفي حديث البراء بن عازب عند البخاري في الصحيح ‏:‏ فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل ، يرفعن سوقهن قد بدت خلاخيلهن ‏.‏ وتبع المسلمون المشركين ، يضعون فيهم السلاح ، وينتهبون الغنائم‏ .‏





غلطة الرماة الفضيعة


وبينما كان الجيش الإسلامي الصغير يسجل مرة أخري نصراً ساحقاً على أهل مكة لم يكن أقل روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر ، وقعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع تماماً ، وأدت إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين ، وكادت تكون سبباً في مقتل النبي(صلى الله عليه وسلم) ، وقد تركت أسوأ أثر على سمعتهم ، وعلى الهيبة التي كانوا يتمتعون بها بعد بدر ‏.‏

لقد أسلفنا نصوص الأوامر الشديدة التي أصدرها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إلى هؤلاء الرماة ، بلزومهم موقفهم من الجبل في كل حال من النصر أو الهزيمة ، ولكن على رغم هذه الأوامر المشددة لما رأى هؤلاء الرماة أن المسلمين ينتهبون غنائم العدو غلبت عليهم أثارة من حب الدنيا ، فقال بعضهم لبعض ‏:‏ الغنيمة ، الغنيمة ، ظهر أصحابكم ، فما تنتظرون ‏؟‏

أما قائدهم عبد الله بن جبير ، فقد ذكرهم أوامر الرسول(صلى الله عليه وسلم) ، وقال ‏:‏ أنسيتم ما قال لكم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏؟‏

ولكن الأغلبية الساحقة لم تلق لهذا التذكير بالاً ، وقالت ‏:‏ والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ‏.‏

ثـم غـادر أربعون رجلاً أو أكثر هؤلاء الرماة مواقعهم من الجبل ، والتحقوا بسَوَاد الجيش ليشاركـوه فـي جمع الغنائم ‏.‏

وهكذا خلت ظهور المسلمين ، ولم يبق فيها إلا ابن جبير وتسعة أو أقل من أصحابه والتزموا مواقفهم مصممين على البقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا ‏.‏





خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش الإسلامي


وانتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة الذهبية ، فكرَّ بسرعة خاطفة إلى جبل الرماة ليدور من خلفه إلى مؤخرة الجيش الإسلامي ، فلم يلبث أن أباد عبد الله بن جبير وأصحابه إلا البعض الذين لحقوا بالمسلمين ، ثم انقض على المسلمين من خلفهم ، وصاح فرسانه صيحة عرف بها المشركون المنهزمون بالتطور الجديد فانقلبوا على المسلمين ، وأسرعت امرأة منهم ـ وهي عمرة بنت علقمة الحارثية ـ فرفعت لواء المشركين المطروح على التراب ، فالتف حوله المشركون ولاثوا به ، وتنادي بعضهم بعضاً ، حتى اجتمعوا على المسلمين ، وثبتوا للقتال ، وأحيط المسلمون من الأمام والخلف ، ووقعوا بين شِقَّي الرحى‏ .‏





موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق


وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حينئذ في مفرزة صغيرة ـ تسعة نفر من أصحابه ـ في مؤخرة المسلمين ، كان يرقب مجالدة المسلمين ومطاردتهم المشركين ، إذ بوغت بفرسان خالد مباغتة كاملة ، فكان أمامه طريقان‏ :‏ إما أن ينجو ـ بالسرعة ـ بنفسه وبأصحابه التسعة إلى ملجأ مأمون ، ويترك جيشه المطوق إلى مصيره المقدور ، وإما أن يخاطر بنفسه فيدعو أصحابه ليجمعهم حوله ، ويتخذ بهم جبهة قوية يشق بها الطريق لجيشه المطوق إلى هضاب أحد ‏.‏

وهناك تجلت عبقرية الرسول(صلى الله عليه وسلم) وشجاعته المنقطعة النظير ، فقد رفع صوته ينادي أصحابه ‏:‏ ‏" عباد الله "‏، وهو يعرف أن المشركين سوف يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون ، ولكنه ناداهم ودعاهم مخاطراً بنفسه في هذا الظرف الدقيق ‏.‏

وفعلاً فقد علم به المشركون فخلصوا إليه ، قبل أن يصل إليه المسلمون .‏





تبدد المسلمين في الموقف


أما المسلمون فلما وقعوا في التطويق طار صواب طائفة منهم ، فلم تكن تهمها إلا أنفسها ، فقد أخذت طريق الفرار ، وتركت ساحة القتال ، وهي لا تدري ماذا وراءها ‏؟‏ وفر من هذه الطائفة بعضهم إلى المدينة حتى دخلها ، وانطلق بعضهم إلى ما فوق الجبل ‏.‏

ورجعت طائفة أخرى فاختلطت بالمشركين ، والتبس العسكران فلم يتميزا ، فوقع القتل في المسلمين بعضهم من بعض ‏.‏

روى البخاري عن عائشة قالت ‏:‏ لما كان يوم أحد هزم المشركون هزيمة بينة ، فصاح إبليس ‏:‏ أي عباد الله أخراكم ـ أي احترزوا من ورائكم ـ فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم ، فبصر حذيفة ، فإذا هو بأبيه اليمان ، فقال ‏:‏ أي عباد الله أبي أبي ‏.‏ قالت ‏:‏ فوالله ما احتجزوا عنه حتى قتلوه ، فقال حذيفة ‏:‏ يغفر الله لكم ‏.‏ قال عروة ‏:‏ فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله ‏.‏

وهذه الطائفة حدث داخل صفوفها ارتباك شديد ، وعمتها الفوضى ، وتاه منها الكثيرون ، لا يدرون أين يتوجهون ، وبينما هم كذلك إذ سمعوا صائحاً يصيح ‏:‏ إن محمداً قد قتل ، فطارت بقية صوابهم ، وانهارت الروح المعنوية أو كادت تنهار في نفوس كثير من أفرادها ، فتوقف من توقف منهم عن القتال ، وألقى بأسلحته مستكيناً ، وفكر آخرون في الاتصال بعبد الله بن أبي ـ رأس المنافقين ـ ليأخذ لهم الأمان من أبي سفيان ‏. ‏ومر بهؤلاء أنس بن النضر ، وقد ألقوا ما بأيديهم فقال ‏:‏ ما تنتظرون ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ قتل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، قال ‏:‏ ما تصنعون بالحياة بعده ‏؟‏ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، ثم قال‏ :‏ اللّهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ، يعني المسلمين ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ، يعني المشركين ، ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ ، فقال ‏:‏ أين يا أبا عمر ‏؟‏ فقال أنس ‏:‏ واها لريح الجنة يا سعد ، إني أجده دون أحد ، ثم مضي فقاتل القوم حتى قتل ، فما عرف حتى عرفته أخته ـ بعد نهاية المعركة ـ ببنانه ، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح ، وضربة بسيف ، ورمية بسهم ‏.‏

ونادى ثابت بن الدَحْدَاح قومه فقال ‏:‏ يا معشر الأنصار ، إن كان محمد قد قتل ، فإن الله حي لا يموت ، قاتلوا على دينكم ، فإن الله مظفركم وناصركم ‏.‏ فنهض إليه نفر من الأنصار ، فحمل بهم على كتيبة فرسان خالد فما زال يقاتلهم حتى قتله خالد بالرمح ، وقتل أصحابه ‏.‏

ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار ، وهو يتَشَحَّطُ في دمه ، فقال ‏:‏ يا فلان ، أشعرت أن محمداً قد قتل ‏؟‏ فقال الأنصاري‏ :‏ إن كان محمد قد قتل فقد بَلَّغ ، فقاتلوا عن دينكم ‏.‏

وبمثل هذا الاستبسال والتشجيع عادت إلى جنود المسلمين روحهم المعنوية ، ورجع إليهم رشدهم وصوابهم ، فعدلوا عن فكرة الاستسلام أو الاتصال بابن أبي ، وأخذوا سلاحهم ، يهاجمون تيارات المشركين ، وهم يحاولون شق الطريق إلى مقر القيادة ، وقد بلغهم أن خبر مقتل النبي(صلى الله عليه وسلم) كذب مُخْتَلَق ، فزادهم ذلك قوة على قوتهم ، فنجحوا في الإفلات عن التطويق ، وفي التجمع حول مركز منيع ، بعد أن باشروا القتال المرير ، وجالدوا بضراوة بالغة‏ .‏

وكانت هناك طائفة ثالثة لم يكن يهمهم إلا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)‏ .‏

فقد كرت هذه الطائفة إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، وعمل التطويق في بدايته ، وفى مقدمة هؤلاء أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب وغيرهم ـ رضي الله عنهم ـ كانوا في مقدمة المقاتلين ، فلما أحسوا بالخطر على ذاته الشريفة ـ عليه الصلاة والسلام والتحية ـ صاروا في مقدمة المدافعين ‏.‏





احتدام القتال حول رسول الله(صلى الله عليه وسلم)


وبينما كانت تلك الطوائف تتلقي أواصر التطويق ، وتطحن بين شِقَّي رحى المشركين ، كان العراك محتدماً حول رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، وقد ذكرنا أن المشركين لما بدءوا عمل التطويق لم يكن مع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إلا تسعة نفر ، فلما نادي المسلمين ‏:‏ ‏" ‏هلموا إلي ، أنا رسول الله "‏، سمع صوته المشركون وعرفوه ، فكروا إليه وهاجموه ، ومالوا إليه بثقلهم قبل أن يرجع إليه أحد من جيش المسلمين ، فجري بين المشركين وبين هؤلاء النفر التسعة من الصحابة عراك عنيف ظهرت فيه نوادر الحب والتفاني والبسالة والبطولة ‏.‏

روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال ‏:‏ ‏" ‏من يردهم عنا وله الجنة ‏؟‏ أو هو رفيقي في الجنة ‏؟‏‏ "فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه أيضاً فقال ‏:‏ "‏من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة ‏؟‏‏ "‏ فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لصاحبيه ـ أي القرشيين ‏:‏ "‏ما أنصفنا أصحابنا‏ "‏.‏

وكان آخر هؤلاء السبعة هو عمارة بن يزيد بن السَّكَن ، قاتل حتى أثبتته الجراحة فسقط ‏.‏




أحرج ساعة في حياة الرسول(صلى الله عليه وسلم)


وبعد سقوط بن السكن بقي الرسول في القرشيين فقط ، ففي الصحيحين عن أبي عثمان قال ‏:‏ لم يبق مع النبي(صلى الله عليه وسلم) في بعض تلك الأيام التي يقاتل فيهن غير طلحة ابن عبيد الله وسعد ـ بن أبي وقاص ـ وكانت أحرج ساعة بالنسبة إلى حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وفرصة ذهبية بالنسبة إلى المشركين ، ولم يتوان المشركون في انتهاز تلك الفرصة ، فقد ركزوا حملتهم على النبي(صلى الله عليه وسلم) ، وطمعوا في القضاء عليه ، رماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه ، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى ، وكُلِمَتْ شفته السفلى ، وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهري فَشَجَّه في جبهته ، وجاء فارس عنيد هو عبد الله بن قَمِئَة ، فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر إلا أنه لم يتمكن من هتك الدرعين ، ثم ضرب على وجنته(صلى الله عليه وسلم) ضربة أخرى عنيفة كالأولى حتى دخلت حلقتان من حلق المِغْفَر في وجْنَتِه ، وقال‏ :‏ خذها وأنا ابن قمئة ‏.‏ فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وهو يمسح الدم عن وجهة‏ :‏ ‏" أقمأك الله‏ "‏ ‏.‏

وفي الصحيح أنه(صلى الله عليه وسلم) كسرت رَبَاعِيَته ، وشُجَّ في رأسه ، فجعل يَسْلُتُ الدم عنه ويقول ‏:‏ "‏كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم ، وكسروا رباعيته ، وهو يدعوهم إلى الله "‏، فأنزل الله عز وجل‏ :‏ ‏" ‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ‏ "‏ ‏[‏آل عمران‏:‏128‏]‏ ‏.‏
وفي رواية الطبراني أنه قال يومئذ ‏:‏ ‏" ‏اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله‏ "‏، ثم مكث ساعة ثم قال ‏:‏ "‏اللّهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون "‏ ، وفي صحيح مسلم أنه قال‏ : "‏رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون‏ "‏ ، وفي الشفاء للقاضي عياض أنه قال‏ :‏ "‏اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون‏ "‏‏.‏

ولا شك أن المشركين كانوا يهدفون القضاء على حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)إلا أن القرشيين سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله قاما ببطولة نادرة ، وقاتلا ببسالة منقطعة النظير ، حتى لم يتركا ـ وهما اثنان فحسب ـ سبيلا ً إلى نجاح المشركين في هدفهم ، وكانا من أمهر رماة العرب فتناضلا حتى أجهضا مفرزة المشركين عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏.‏

فأما سعد بن أبي وقاص ، فقد نثل له رسول الله(صلى الله عليه وسلم) كنانته وقال‏ : "‏ارم فداك أبي وأمي "‏ ‏.‏ ويدل على مدى كفاءته أن النبي (صلى الله عليه وسلم)لم يجمع أبويه لأحد غير سعد ‏.‏

وأما طلحة بن عبيد الله فقد روى النسائي عن جابر قصة تَجَمَّع المشركين حول رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ومعه نفر من الأنصار ، قال جابر ‏:‏ فأدرك المشركون رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فقال ‏:‏ ‏( ‏من للقوم ‏؟ ‏‏)‏ فقال طلحة ‏:‏ أنا ، ثم ذكر جابر تقدم الأنصار ، وقتلهم واحداً بعد واحد ، بنحو ما ذكرنا من رواية مسلم ، فلما قتل الأنصار كلهم تقدم طلحة ‏.‏ قال جابر ‏:‏ ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه ، فقال ‏:‏ حَسِّ ، فقال النبي(صلى الله عليه وسلم) :‏ ‏" ‏لو قلت‏:‏ بسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون‏ "‏، قال ‏:‏ ثم رد الله المشركين ‏.‏

ووقع عند الحاكم في الإكليل أنه جرح يوم أحد تسعاً وثلاثين أو خمساً وثلاثين ، وشلت إصبعه ، أي السبابة والتي تليها ‏.‏

وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال ‏:‏ رأيت يد طلحة شلاء ، وقى بها النبي(صلى الله عليه وسلم) يوم أحد‏ .‏

وروى الترمذي أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال فيه يومئذ‏ :‏ "‏من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله‏ "‏ ‏.‏

وروى أبو داود الطيالسي عن عائشة قالت ‏:‏ كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال ‏:‏ ذلك اليوم كله لطلحة‏ .‏

وقال فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أيضاً‏ :‏

يا طلحة بن عبيد الله قد وَجَبَتْ

لك الجنان وبُوِّئتَ المَهَا العِينَا


وفي ذلك الظرف الدقيق والساعة الحرجة أنزل الله نصره بالغيب ، ففي الصحيحين عن سعد ، قال ‏:‏ رأيت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يوم أحد ، ومعه رجلان يقاتلان عنه ، عليهما ثياب بيض كأشد القتال ، ما رأيتهما قبل ولا بعد ‏.‏ وفي رواية‏ :‏ يعني جبريل وميكائيل ‏.‏




بداية تجمع الصحابة حول الرسول(صلى الله عليه وسلم)


وقعت هذه كلها بسرعة هائلة في لحظات خاطفة ، وإلا فالمصطفون الأخيار من صحابته(صلى الله عليه وسلم) ـ الذين كانوا في مقدمة صفوف المسلمين عند القتال ـ لم يكادوا يرون تغير الموقف ، أو يسمعوا صوته(صلى الله عليه وسلم) حتى أسرعوا إليه ، لئلا يصل إليه شيء يكرهونه ، إلا أنهم وصلوا وقد لقي رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ما لقي من الجراحات ـ وستة من الأنصار قد قتلوا والسابع قد أثبتته الجراحات ، وسعد وطلحة يكافحان أشد الكفاح ـ فلما وصلوا أقاموا حوله سياجاً من أجسادهم وسلاحهم ، وبالغوا في وقايته من ضربات العدو ، ورد هجماته ‏.‏ وكان أول من رجع إليه هو ثانيه في الغار أبو بكر الصديق رضي الله عنه ‏.‏

روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت ‏:‏ قال أبو بكر الصديق ‏:‏ لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن النبي(صلى الله عليه وسلم) ، فكنت أول من فاء إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) ، فرأيت بين يديه رجلاً يقاتل عنه ويحميه ، قلت ‏:‏ كن طلحة ، فداك أبي وأمي ، كن طلحة ، فداك أبي وأمي ، ‏[‏ حيث فاتني ما فاتني ، فقلت ‏:‏ يكون رجل من قومي أحب إلي ‏]‏ فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح ، وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني ، فدفعنا إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) ، فإذا طلحة بين يديه صريعاً ، فقال النبي(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏" ‏دونكم أخـاكم فقـد أوجب "‏، وقد رمي النبي(صلى الله عليه وسلم) في وَجْنَتِهِ حتى غابت حلقتان من حلق المِغْفَر في وجنته ، فذهبت لأنزعهما عن النبي(صلى الله عليه وسلم) فقال أبو عبيدة‏ :‏ نشدتك بالله يا أبا بكر ، إلا تركتني ، قال‏:‏ فأخذ بفيه فجعل ينَضِّـضه كراهية أن يؤذي رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، ثم استل السهم بفيه ، فنَدَرَت ثنية أبي عبيدة ، قال أبو بكر ‏:‏ ثم ذهبت لآخذ الآخر ، فقال أبو عبيدة‏ :‏ نشدتك بالله يا أبا بكر ، إلا تركتني ، قال ‏: ‏فأخذه فجعل ينضضه حتى اسْتَلَّه ، فندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى ، ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏: "‏دونكم أخاكم، فقد أوجب "‏، قال ‏:‏ فأقبلنا على طلحة نعالجه ، وقد أصابته بضع عشرة ضربة ‏.‏ وفي تهذيب تاريخ دمشق ‏:‏ فأتيناه في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وستون أو أقل أو أكثر ، بين طعنة ورمية وضربة ، وإذا قد قطعت إصبعه ، فأصلحنا من شأنه ‏.‏

وخلال هذه اللحظات الحرجة اجتمع حول النبي(صلى الله عليه وسلم) عصابة من أبطال المسلمين منهم أبو دُجَانة ، ومصعب بن عمير ، وعلى بن أبي طالب ، وسهل بن حنيف، ومالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري ، وأم عمارة نُسَيْبة بنت كعب المازنية ، وقتادة ابن النعمان ، وعمر بن الخطاب ، وحاطب بن أبي بلتعة ، وأبو طلحة ‏.‏





تضاعف ضغط المشركين


كما كان عدد المشركين يتضاعف كل آن ، وبالطبع فقد اشتدت حملاتهم وزاد ضغطهم على المسلمين ، حتى سقط رسول الله (صلى الله عليه وسلم)في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها ، فجُحِشَتْ ركبته ، وأخذه علي بيده ، واحتضنه طلحة بن عبيد الله حتى استوي قائماً ، وقال نافع بن جبير‏ :‏ سمعت رجلاً من المهاجرين يقول ‏:‏ شهدت أحداً فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية ، ورسول الله(صلى الله عليه وسلم) وسطها ، كل ذلك يصرف عنه ، ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ‏ :‏ دلوني على محمد ، فلا نجوت إن نجا ، ورسول الله(صلى الله عليه وسلم) إلى جنبه ، ما معه أحد ، ثم جاوزه ، فعاتبه في ذلك صفوان ، فقال ‏:‏ والله ما رأيته ، أحلف بالله إنه منا ممنوع ، خرجنا أربعة ، فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله ، فلم نخلص إلى ذلك ‏.‏



البطولات النادرة


وقام المسلمون ببطولات نادرة وتضحيات رائعة ، لم يعرف لها التاريخ نظيراً ‏.‏

كان أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، ويرفع صدره ليقيه سهام العدو ‏.‏

قال أنس‏ :‏ لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي(صلى الله عليه وسلم) ، وأبو طلحة بين يديه مجوب عليه بحجفة له ، وكان رجلاً رامياً شديد النزع ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا ، وكان الرجل يمر معه بجَعْبَة من النبل فيقول ‏:‏ ‏( ‏انثرها لأبي طلحة‏ )‏ ، قال ‏:‏ ويشرف النبي (صلى الله عليه وسلم)ينظر إلى القوم ، فيقول أبو طلحة ‏:‏ بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم ، نَحْرِي دون نحرك ‏.‏

وعنه أيضاً قال ‏:‏ كان أبو طلحة يتترس مع النبي(صلى الله عليه وسلم) بترس واحد ، وكان أبو طلحة حسن الرَّمْي ، فكان إذا رمي تشرف النبي (صلى الله عليه وسلم)، فينظر إلى موقع نبله ‏.‏

وقام أبو دجانة أمام رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فَتَرَّسَ عليه بظهره‏ ،‏ والنبل يقع عليه وهو لا يتحرك‏ .‏

وتبع حاطب بن أبي بلتعة عتبة بن أبي وقاص ـ الذي كسر الرَّباعية الشريفة ـ فضربه بالسيف حتى طرح رأسه ، ثم أخذ فرسه وسيفه ، وكان سعد بن أبي وقاص شديد الحرص على قتل أخيه ـ عتبة هذا ـ إلا أنه لم يظفر به ، بل ظفر به حاطب‏ .‏

وكان سهل بن حُنَيف أحد الرماة الأبطال ، بايع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) على الموت ، ثم قام بدور فعال في ذود المشركين ‏.‏

وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يباشر الرماية بنفسه ، فعن قتادة بن النعمان ‏:‏ أن رسول الله رمى عن قوسه حتى اندقت سِيتُها ، فأخذها قتادة بن النعمان ، فكانت عنده ، وأصيبت يومئذ عينه حتى وقعت على وَجْنَتِه ، فردها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بيده ، فكانت أحسن عينيه وأحَدَّهُما‏ .‏

وقاتل عبد الرحمن بن عوف حتى أصيب فوه يومئذ فهُتِمَ ، وجرح عشرين جراحة أو أكثر ، أصابه بعضها في رجله فعرج‏ .‏

وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته(صلى الله عليه وسلم) حتى أنقاه ، فقال ‏:‏ ‏( ‏مُجَّه ‏) ‏، فقال ‏:‏ والله لا أمجه ، ثم أدبر يقاتل ، فقال النبي(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏" ‏من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا "‏، فقتل شهيداً‏ .‏

وقاتلت أم عمارة فاعترضت لابن قَمِئَة في أناس من المسلمين ، فضربها ابن قمئة على عاتقها ضربة تركت جرحاً أجوف ، وضربت هي ابن قمئة عدة ضربات بسيفها ، لكن كانت عليه درعان فنجا ، وبقيت أم عمارة تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحاً‏ .‏

وقاتل مصعب بن عمير بضراوة بالغة ، يدافع عن النبي(صلى الله عليه وسلم) هجوم ابن قمئة وأصحابه ، وكان اللواء بيده ، فضربوه على يده اليمني حتى قطعت ، فأخذ اللواء بيده اليسرى ، وصمد في وجوه الكفار حتى قطعت يده اليسرى ، ثم برك عليه بصدره وعنقه حتى قتل ، وكان الذي قتله هو ابن قمئة ، وهو يظنه رسول الله ـ لشبهه به ـ فانصرف ابن قمئة إلى المشركين ، وصاح ‏:‏ إن محمداً قد قتل ‏.‏



إشاعة مقتل النبي (صلى الله عليه وسلم)


ولم يمض على هذا الصياح دقائق ، حتى شاع خبر مقتل النبي(صلى الله عليه وسلم) في المشركين والمسلمين‏ .‏

وهذا هو الظرف الدقيق الذي خارت فيه عزائم كثير من الصحابة المطوقين ، الذين لم يكونوا مع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، وانهارت معنوياتهم ، حتى وقع داخل صفوفهم ارتباك شديد ، وعمتها الفوضى والاضطراب ، إلا أن هذه الصيحة خففت بعض التخفيف من مضاعفة هجمات المشركين ، لظنهم أنهم نجحوا في غاية مرامهم ، فاشتغل الكثير منهم بتمثيل قتلى المسلمين ‏.‏





الرسول(صلى الله عليه وسلم) يواصل المعركة وينقذ الموقف


ولما قتل مصعب أعطي رسول الله اللواء على بن أبي طالب ، فقاتل قتالاً شديداً ، وقامت بقية الصحابة الموجودين هناك ببطولاتهم النادرة ، يقاتلون ويدافعون ‏.‏

وحينئذ استطاع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق ، فأقبل إليهم فعرفه كعب بن مالك ـ وكان أول من عرفه ـ فنادي بأعلى صوته ‏:‏ يا معشر المسلمين أبشروا ، هذا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فأشار إليه أن اصمت ـ وذلك لئلا يعرف موضعه المشركون ـ إلا أن هذا الصوت بلغ إلى آذان المسلمين ، فلاذ إليه المسلمون حتى تجمع حوله حوالى ثلاثين رجلاً من الصحابة ‏.‏

وبعد هذا التجمع أخذ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في الانسحاب المنظم إلى شعب الجبل ، وهو يشق الطريق بين المشركين المهاجمين ، واشتد المشركون في هجومهم ، لعرقلة الانسحاب إلا أنهم فشلوا أمام بسالة ليوث الإسلام ‏.‏

تقدم عثمان بن عبد الله بن المغيرة ـ أحد فرسان المشركين ـ إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وهو يقول‏ :‏ لا نجوت إن نجا‏ .‏ وقام رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لمواجهته ، إلا أن الفرس عثرت في بعض الحفر ، فنازله الحارث بن الصِّمَّة ، فضرب على رجله فأقعده ، ثم ذَفَّفَ عليه وأخذ سلاحه ، والتحق برسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏.‏

وعطف عبد الله بن جابر ـ فارس آخر من فرسان مكة ـ على الحارث بن الصِّمَّة ، فضرب بالسيف على عاتقه فجرحه حتى حمله المسلمون ولكن انقض أبو دجانة ـ البطل المغامر ذو العصابة الحمراء ـ على عبد الله بن جابر فضربه بالسيف ضربة أطارت رأسه ‏.‏

وأثناء هذا القتال المرير كان المسلمون يأخذهم النعاس أمنة من الله ، كما تحدث عنه القرآن ‏.‏ قال أبو طلحة ‏:‏ كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مراراً ، يسقط وآخذه ويسقط وآخذه ‏.‏

وبمثل هذه البسالة بلغت هذه الكتيبة ـ في انسحاب منظم ـ إلى شعب الجبل ، وشق لبقية الجيش طريقاً إلى هذا المقام المأمون ، فتلاحق به في الجبل ، وفشلت عبقرية خالد أمام عبقرية رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏.‏





مقتل أبي بن خلف


قال ابن إسحاق‏ :‏ فلما أسند رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول ‏:‏ أين محمد ‏؟‏ لا نجوتُ إن نجا ‏.‏ فقال القوم ‏:‏ يا رسول الله ، أيعطف عليه رجل منا ‏؟‏ فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)‏ : ‏‏( ‏دعوه ‏)‏ ، فلما دنا منه تناول رسول الله(صلى الله عليه وسلم) الحربة من الحارث بن الصمة ، فلما أخذها منه انتفض انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض ، ثم استقبله وأبصر تَرْقُوَتَه من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة ، فطعنه فيها طعنة تدأدأ ـ تدحرج ـ منها عن فرسه مراراً‏ .‏ فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشاً غير كبير، فاحتقن الدم ، قال ‏:‏ قتلني والله محمد ، قالوا له‏:‏ ذهب والله فؤادك ، والله إن بك من بأس ، قال ‏:‏ إنه قد كان قال لي بمكة‏ : ‏‏( ‏أنا أقتلك‏ )‏ ، فوالله لو بصق على لقتلني ‏.‏ فمات عدو الله بسَرِف وهم قافلون به إلى مكة ‏.

‏وفي رواية أبي الأسود عن عروة ، وكذا في رواية سعيد بن المسيب عن أبيه ‏:‏ أنه كان يخور خوار الثور ، ويقول‏ :‏ والذي نفسي بيده ، لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا جميعاً ‏.‏





طلحة ينهض بالنبي(صلى الله عليه وسلم)


وفي أثناء انسحاب رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إلى الجبل عرضت له صخرة من الجبل ، فنهض إليها ليعلوها فلم يستطع ، لأنه كان قد بَدَّنَ وظاهر بين الدرعين ، وقد أصابه جرح شديد‏ . ‏فجلس تحته طلحة بن عبيد الله ، فنهض به حتى استوي عليها ، وقال ‏:‏ ‏(‏ أوْجَبَ طلحةُ ‏)‏ ، أي ‏: ‏الجنة‏ .‏





آخر هجوم قام به المشركون


ولما تمكن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) من مقر قيادته في الشعب قام المشركون بآخر هجوم حاولوا به النيل من المسلمين‏ .‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ بينا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في الشعب إذ علت عالية من قريش الجبل ـ يقودهم أبو سفيان وخالد بن الوليد ـ فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏" ‏اللّهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا‏ "‏ ، فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل ‏.‏

وفي مغازي الأموي ‏:‏ أن المشركين صعدوا على الجبل ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لسعد ‏: ‏‏( ‏اجْنُبْهُمْ ‏)‏ ـ يقول ‏:‏ ارددهم ـ فقال ‏:‏ كيف أجْنُبُهُمْ وحدي ‏؟‏ فقال ذلك ثلاثاً ، فأخذ سعد سهماً من كنانته ، فرمي به رجلاً فقتله ، قال‏ :‏ ثم أخذت سهمي أعرفه ، فرميت به آخر، فقتلته ، ثم أخذته أعرفه فرميت به آخر فقتلته ، فهبطوا من مكانهم ، فقلت ‏:‏ هذا سهم مبارك ، فجعلته في كنانتي‏ .‏ فكان عند سعد حتى مات ، ثم كان عند بنيه ‏.‏





تشويه الشهداء


وكان هذا آخر هجوم قام به المشركون ضد النبي(صلى الله عليه وسلم)، ولما لم يكونوا يعرفون من مصيره شيئاً ـ بل كانوا على شبه اليقين من قتله ـ رجعوا إلى مقرهم ، وأخذوا يتهيأون للرجوع إلى مكة ، واشتغل من اشتغل منهم ـ وكذا اشتغلت نساؤهم ـ بقتلي المسلمين ، يمثلون بهم ، ويقطعون الآذان والأنوف والفروج ، ويبقرون البطون ‏.‏ وبقرت هند بنت عتبة كبد حمزة فلاكتها ، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ، واتخذت من الآذان والأنوف خَدَماً ـ خلاخيل ـ وقلائد





مدى استعداد أبطال المسلمين للقتال حتى نهاية المعركة


وفي هذه الساعة الأخيرة وقعت وقعتان تدلان على مدى استعداد أبطال المسلمين للقتال ، ومدى استماتتهم في سبيل الله ‏:‏

1‏.‏ قال كعب بن مالك ‏:‏ كنت فيمن خرج من المسلمين ، فلما رأيت تمثيل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاوزت ، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة يجوز المسلمين وهو يقول ‏:‏ استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم‏ .‏ وإذا رجل من المسلمين ينتظره وعليه لأمته ، فمضيت حتى كنت من ورائه ، ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري ، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة ، فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا ، فضرب المسلم الكافر ضربة فبلغت وركه وتفرق فرقتين ، ثم كشف المسلم عن وجهه ، وقال ‏:‏ كيف ترى يا كعب ‏؟‏ أنا أبو دجانة ‏.‏

2‏.‏ جاءت نسوة من المؤمنين إلى ساحة القتال بعد نهاية المعركة ، قال أنس :‏ لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم ، وإنهما لمشمرتان ـ أرى خَدَم سوقهما ـ تَنْقُزَانِ القِرَبَ على متونهما ، تفرغانه في أفواه القوم ، ثم ترجعان فتملآنها ، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم ‏.‏ وقال عمر ‏:‏ كانت ‏[ ‏أم سَلِيط من نساء الأنصار ‏]‏ تزفر لنا القرب يوم أحد ‏.‏

وكانت في هؤلاء النسوة أم أيمن ، لما رأت فلول المسلمين يريدون دخول المدينة ، أخذت تحثو التراب في وجوههم وتقول لبعضهم‏ :‏ هاك المغزل ، وهلم سيفك ‏.‏ ثم سارعت إلى ساحة القتال ، فأخذت تسقي الجرحى ، فرماها حِبَّان ـ بالكسر ـ بن العَرَقَة بسهم ، فوقعت وتكشفت ، فأغرق عدو الله في الضحك ، فشق ذلك على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فدفع إلى سعد بن بي وقاص سهماً لا نصل له ، وقال ‏: ‏‏( ‏ارم به ‏)‏ ، فرمى به سعد ، فوقع السهم في نحر حبان ، فوقع مستلقياً حتى تكشف ، فضحك رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حتى بدت نواجذه ، ثم قال :‏ ‏( ‏استقاد لها سعد ، أجاب الله دعوته ‏)‏ ‏.‏

بعد إنتهاء الرسول (صلى الله عليه وسلم)إلى الشعب


ولما استقر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في مقره من الشِّعب خرج على أبي طالب حتى ملأ دَرَقَته ماء من المِهْرَاس ـ قيل ‏:‏ هو صخرة منقورة تسع كثيراً ‏.‏ وقيل ‏:‏ اسم ماء بأحد ـ فجاء به إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ليشرب منه ، فوجد له ريحاً فعافه ، فلم يشرب منه ، وغسل عن وجهه الدم ، وصب على رأسه وهو يقول ‏:‏ "‏اشتد غضب الله على من دَمَّى وجه نبيه‏ "‏ ‏.‏

وقال سهل ‏:‏ والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، ومن كان يسكب الماء ، وبما دُووِي ‏؟‏ كانت فاطمة ابنته تغسله ، وعلي بن أبي طالب يسكب الماء بالمِجَنِّ ، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير ، فأحرقتها ، فألصقتها فاستمسك الدم‏ .‏

وجاء محمد بن مسلمة بماء عذب سائغ ، فشرب منه النبي(صلى الله عليه وسلم) ودعا له بخير ، وصلى الظهر قاعداً من أثر الجراح ، وصلى المسلمون خلفه قعوداً .




شماتة أبي سفيان


ولما تكامل تهيؤ المشركين للانـصراف أشـرف أبو سفـيان على الجبل ، فـنادي أفيكم محمد ‏؟‏ فلم يجيبوه ‏.‏ فقال ‏:‏ أفيكم ابن أبي قحافة ‏؟‏ فلم يجبيبوه‏ .‏ فقال ‏:‏ أفيكم عمر بن الخطاب‏ ؟‏ فلم يجيبوه ـ وكان النبي(صلى الله عليه وسلم) منعهم من الإجابة ـ ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه وعلم قومه أن قيام الإسلام بهم ‏.‏ فقال‏ :‏ أما هؤلاء فقد كفيتموهم ، فلم يملك عمر نفسه أن قال ‏:‏ يا عدو الله ، إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله ما يسوءك ‏.‏

فقال ‏:‏ قد كان فيكم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ‏.

ثم قال ‏:‏ أعْلِ هُبَل‏.‏

فقال النبي(صلى الله عليه وسلم)‏:‏ ‏(‏ ألا تجيبونه ‏؟ ‏‏)‏ فقالوا ‏: ‏فما نقول‏ ؟‏ قال ‏:‏ ‏( ‏قولوا ‏:‏ الله أعلى وأجل‏ ) ‏‏.‏

ثم قال‏ :‏ لنا العُزَّى ولا عزى لكم ‏.‏

فقال النبي(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏( ‏ألا تجيبونه ‏؟ ‏‏)‏ قالوا ‏:‏ ما نقول ‏؟‏ قال ‏:‏ ‏( ‏قولوا ‏: ‏الله مولانا ، ولا مولي لكم‏ )‏ ‏.‏

ثم قال أبو سفيان ‏:‏ أنْعَمْتَ فَعَال ، يوم بيوم بدر، والحرب سِجَال ‏.‏

فأجابه عمر ، وقال ‏:‏ لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار‏ .‏

ثم قال أبو سفيان‏ :‏ هلم إلى يا عمر، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏( ‏ائته فانظر ما شأنه ‏؟ ‏‏)‏ فجاءه ،

فقال له أبو سفيان ‏:‏ أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمداً‏ ؟‏ قال عمر ‏:‏ اللّهم لا‏ .‏ وإنه ليستمع كلامك الآن ‏.‏ قال ‏:‏ أنت أصدق عندي من ابن قَمِئَة وأبر ‏.

مواعدة التلاقي في بدر


قال ابن إسحاق‏:‏ ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى ‏:‏ إن موعدكم بدر العام القابل ‏.

‏فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لرجل من أصحابه ‏:‏ ‏(‏ قل‏ :‏ نعم ، هو بيننا وبينك موعد‏ )‏‏ .‏



التثبت من موقف المشركين


ثم بعث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب ، فقال‏ :‏ "‏اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون‏ ؟‏ وما يريدون ‏؟‏ فإن كانوا قد جَنَبُوا الخيل ، وامْتَطُوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة‏ ،‏ والذي نفسي بيده، لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم "‏‏.‏ قال علي ‏:‏ فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون ، فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، ووَجَّهُوا إلى مكة ‏.‏

تفقد القتلى والجرحى


وفرغ الناس لتفقد القتلى والجرحى بعد منصرف قريش ‏.‏ قال زيد بن ثابت‏ :‏ بعثني رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يوم أحد أطلب سعد بن الربيع ‏.‏ فقال لي ‏:‏ ‏( ‏إن رأيته فأقرئه مني السلام ، وقل له ‏:‏ يقول لك رسول الله(صلى الله عليه وسلم) :‏ كيف تجدك ‏؟ ‏‏)‏ قال ‏:‏ فجعلت أطوف بين القتلى ، فأتيته وهو بآخر رمق ، فيه سبعون ضربة ، ما بين طعنة برمح ، وضربة بسيف ، ورمية بسهم ، فقلت ‏:‏ يا سعد ، إن رسول الله يقرأ عليك السلام ، ويقول لك ‏:‏ أخبرني كيف تجدك ‏؟‏ فقال ‏:‏ وعلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) السلام ، قل له : يا رسول الله ، أجد ريح الجنة ، وقل لقومي الأنصار ‏:‏ لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وفيكم عين تطرف ، وفاضت نفسه من وقته ‏.‏

ووجدوا في الجرحى الأُصَيرِِم ـ عمرو بن ثابت ـ وبه رمق يسير ، وكانوا من قبل يعرضون عليه الإسلام فيأباه ، فقالوا‏ :‏ إن هذا الأصيرم ما جاء به ‏؟‏ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الأمر ، ثم سألوه ‏:‏ ما الذي جاء بك ، أحَدَبٌ على قومك ، أم رغبة في الإسلام‏ ؟‏ فقال ‏:‏ بل رغبة في الإسلام ، آمنت بالله ورسوله ، ثم قاتلت مع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حتى أصابني ما ترون ، ومات من وقته ، فذكروه لرسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فقال‏ :‏ ‏(‏ هو من أهل الجنة ‏) ‏‏.‏ قال أبو هريرة‏ :‏ ولم يُصَلِّ لله صلاة قط ‏.‏

ووجدوا في الجرحى قُزْمَان ـ وكان قد قاتل قتال الأبطال ، قتل وحده سبعة أو ثمانية من المشركين ـ وجدوه قد أثبتته الجراحة ، فاحتملوه إلى دار بني ظَفَر ، وبشره المسلمون فقال ‏:‏ والله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي ، ولولا ذلك ما قاتلت ، فلما اشتد به الجراح نحر نفسه ‏.‏ وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول ـ إذا ذكر له ‏:‏ ‏( ‏إنه من أهل النار ‏)‏ ـ وهذا هو مصير المقاتلين في سبيل الوطنية أو في أي سبيل سوي إعلاء كلمة الله ، وإن قاتلوا تحت لواء الإسلام ، بل وفي جيش الرسول والصحابة‏.

وعلى عكس من هذا كان في القتلى رجل من يهود بني ثعلبة ، قال لقومه ‏:‏ يا معشر يهود ، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم حق ‏. ‏قالوا ‏: ‏إن اليوم يوم السبت‏ .‏ قال ‏:‏لا سبت لكم ‏. ‏فأخذ سيفه وعدته ، وقال‏:‏ إن أصبت فمالي لمحمد ‏.‏ يصنع فيه ما شاء ، ثم غدا فقاتل حتى قتل ‏. ‏فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) :‏ ‏( ‏مُخَيرِيق خير يهود‏ ) ‏‏.

جمع الشهداء ودفنهم


وأشرف رسول الله(صلى الله عليه وسلم) على الشهداء فقال ‏:‏ ‏" ‏أنا شهيد على هؤلاء ، إنه ما من جريح يُجْرَح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة ، يَدْمَي جُرْحُه ، اللون لون الدم ، والريح ريح المِسْك‏ "‏ ‏.‏

وكان أناس من الصحابة قد نقلوا قتلاهم إلى المدينة فأمر أن يردوهم ، فيدفنوهم في مضاجعهم وألا يغسلوا ، وأن يدفنوا كما هم بثيابهم بعد نزع الحديد والجلود ‏.‏ وكان يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد ، ويجمع بين الرجلين في ثوب واحد ، ويقول ‏:‏ ‏" ‏أيهم أكثر أَخْذًا للقرآن‏ ؟ "‏ فإذا أشاروا إلى الرجل قدمه في اللحد ، وقال ‏:‏ "‏أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ‏"‏ ‏.‏

ودفن عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة ‏.‏

وفقدوا نعش حنظلة ، فتفقدوه فوجدوه في ناحية فوق الأرض يقطر منه الماء ، فأخبر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أصحابه أن الملائكة تغسله ، ثم قال‏ :‏ ‏( ‏سلوا أهله ما شأنه ‏؟ ‏‏)‏ فسألوا امرأته ، فأخبرتهم الخبر‏ . ‏ومن هنا سمي حنظلة ‏:‏ غسيل الملائكة.

ولما رأى ما بحمزة ـ عمه وأخيه من الرضاعة ـ اشتد حزنه ، وجاءت عمته صفية تريد أن تنظر أخاها حمزة ، فأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ابنها الزبير أن يصرفها ، لا ترى ما بأخيها ، فقالت‏‏ ولم ‏؟‏ وقد بلغني أن قد مُثِّلَ بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله ، فأتته فنظرت إليه ، فصلت عليه ـ دعت له ـ واسترجعت واستغفرت له ‏.‏ ثم أمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بدفنه مع عبد الله بن جحش ـ وكان ابن أخته ، وأخاه من الرضاعة‏ .‏

قال ابن مسعود ‏:‏ ما رأينا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) باكياً قط أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب ‏. ‏وضعه في القبلة ، ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نَشَع من البكاء ـ والنشع ‏:‏ الشهيق ‏.‏

وكان منظر الشهداء مريعاً جداً يفتت الأكباد ‏.‏ قال خباب‏ :‏ إن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة مَلْحَاء ، إذا جعلت على رأسه قَلَصَت عن قدميه ، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه ، حتى مدت على رأسه ، وجعل على قدميه الإِذْخَر ‏.‏

وقال عبد الرحمن بن عوف‏ :‏ قتل مصعب بن عمير وهو خير مني ، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه ، وروي مثل ذلك عن خباب ، وفيه‏ :‏ فقال لنا النبي(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ "‏غطوا بها رأسه ، واجعلوا على رجليه الإذخر "‏‏.‏

الرسول(صلى الله عليه وسلم) يثني على ربه عز وجل ويدعوه


روى الإمام أحمد ‏:‏ لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون ، قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏" ‏استووا حتى أثني على ربي عز وجل ‏"‏ ، فصاروا خلفه صفوفاً ، فقال ‏:‏

‏" ‏اللهم لك الحمد كله ، اللهم لا قابض لما بسطت ، ولا باسط لما قبضت ، ولا هادي لمن أضللت ، ولا مضل لمن هديت ، ولا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت ، ولا مقرب لما باعدت ، ولا مبعد لما قربت ‏.‏ اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك ‏‏.‏
‏اللهم إني أسألك النعيم المقيم ، الذي لا يحُول ولا يزول ‏.‏ اللهم إني أسألك العون يوم العيلة ، والأمن يوم الخوف ‏.‏ اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا ‏.‏ اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ‏.‏ اللهم توفنا مسلمين ، وأحينا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، غير خزايا ولا مفتونين‏ .‏ اللّهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ، ويصدون عن سبيلك ، واجعل عليهم رجزك وعذابك ‏.‏ اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب ، إله الحق "‏‏.‏



الرجوع إلى المدينة ونوادر الحب والتفاني


ولما فرغ رسول الله من دفن الشهداء والثناء على الله والتضرع إليه ، انصرف راجعاً إلى المدينة ، وقد ظهرت له نوادر الحب والتفاني من المؤمنات الصادقات ، كما ظهرت من المؤمنين في أثناء المعركة ‏.‏

لقيته في الطريق حَمْنَة بنت جحش ، فَنُعِي إليها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له ، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب ، فاسترجعت واستغفرت ، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير ، فصاحت وولوت ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ "‏إن زوج المرأة منها لبِمَكان "‏ ‏.‏

ومر بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها بأحد ، فلما نعوا لها قالت ‏:‏ فما فعل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏؟‏ قالوا‏ :‏ خيراً يا أم فلان ، هو بحمد الله كما تحبين ، قالت ‏:‏ أرونيه حتى أنظر إليه ، فأشير إليها حتى إذا رأته قالت ‏:‏ كل مصيبة بعدك جَلَلٌ ـ تريد صغيرة ‏.‏

وجاءت إليه أم سعد بن معاذ تعدو ، وسعد آخذ بلجام فرسه ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أمي ، فقال ‏:‏ "‏مرحباً بها "‏، ووقف لها ، فلما دنت عزاها بابنها عمرو بن معاذ ‏.‏ فقالت ‏:‏ أما إذ رأيتك سالماً فقد اشتويت المصيبة ـ أي استقللتها ـ ثم دعا لأهل من قتل بأحد ، وقال ‏:‏ ‏" ‏يا أم سعد ، أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعاً ، وقد شفعوا في أهلهم جميعاً‏ "‏‏.‏ قالت ‏:‏ رضينا يا رسول الله ، ومن يبكي عليهم بعد هذا‏ ؟‏ ثم قالت ‏:‏ يا رسول الله ، ادع لمن خلفوا منهم ، فقال ‏:‏ ‏" ‏اللّهم أذهب حزن قلوبهم ، واجبر مصيبتهم ، وأحسن الخَلفَ على من خُلِّفُوا‏ "‏ ‏.‏

الرسول(صلى الله عليه وسلم) في المدينة


وانتهى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) مساء ذلك اليوم ـ يوم السبت السابع من شهر شوال سنة 3هـ ـ إلى المدينة‏ .‏

فلما انتهى إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة ، فقال ‏:‏ ‏( ‏اغسلي عن هذا دمه يا بنية ، فو الله لقد صدقني اليوم ‏)‏، وناولها على بن أبي طالب سيفه ، فقال ‏:‏ وهذا أيضاً فاغسلي عنه دمه ، فو الله لقد صدقني اليوم ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏" ‏لئن كنت صدقت القتال ، لقد صدق معك سهل بن حُنَيف وأبو دُجَانة‏ "‏ ‏.‏

قتلى الفريقين


اتفقت جل الروايات على أن قتلى المسلمين كانوا سبعين ، وكانت الأغلبية الساحقة من الأنصار ، فقد قتل منهم خمسة وستون رجلاً ، واحد وأربعون من الخزرج ، وأربعة وعشرون من الأوس ، وقتل رجل من اليهود‏ .‏

وأما شهداء المهاجرين فكانوا أربعة فقط‏ .‏

وأما قتلى المشركين فقد ذكر ابن إسحاق أنهم اثنان وعشرون قتيلاً ، ولكن الإحصاء الدقيق ـ بعد تعميق النظر في جميع تفاصيل المعركة التي ذكرها أهل المغازي والسير ، والتي تتضمن ذكر قتلى المشركين في مختلف مراحل القتال ـ يفيد أن عدد قتلى المشركين سبعة وثلاثون ، لا اثنان وعشرون ، والله أعلم ‏.

حالة الطوارئ في المدينة


بات المسلمون في المدينة ـ ليلة الأحد الثامن من شهر شوال سنة 3 هـ بعد الرجوع من معركة أحد ـ وهم في حالة الطوارئ ، باتوا ـ وقد أنهكهم التعب ، ونال منهم أي منال ـ يحرسون أنقاب المدينة ومداخلها ، ويحرسون قائدهم الأعلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) خاصة ، إذ كانت تتلاحقهم الشبهات من كل جانب‏ .‏




غزوة حمراء الأسد




وبات الرسول(صلى الله عليه وسلم) وهو يفكر في الموقف ، فقد كان يخاف أن المشركين إن فكروا في أنهم لم يستفيدوا شيئاً من النصر والغلبة التي كسبوها في ساحة القتال ، فلا بد من أن يندموا على ذلك ، ويرجعوا من الطريق لغزو المدينة مرة ثانية ، فصمم على أن يقوم بعملية مطاردة الجيش المكي ‏.‏

قال أهل المغازي ما حاصله ‏:‏ إن النبي(صلى الله عليه وسلم) نادى في الناس ، وندبهم إلى المسير إلى لقاء العدو ـ وذلك صباح الغد من معركة أحد ، أي يوم الأحد الثامن من شهر شوال سنة 3 هـ ـ وقال ‏:‏ ‏( ‏لا يخرج معنا إلا من شهد القتال ‏) ‏، فقال له عبد الله بن أبي‏ :‏ أركب معك ‏؟‏ قال ‏:‏ ‏( ‏لا ‏) ‏، واستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد ، والخوف المزيد ، وقالوا‏ :‏ سمعاً وطاعة ‏.‏ واستأذنه جابر بن عبد الله ، وقال ‏:‏ يا رسول الله ، إني أحب ألا تشهد مشهداً إلا كنت معك ، وإنما خلفني أبي على بناته فأذن لي أسير معك ، فأذن له ‏.‏

وسار رسول الله(صلى الله عليه وسلم) والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد ، على بعد ثمانية أميال من المدينة ، فعسكروا هناك ‏.‏

وهناك أقبل مَعْبَد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فأسلم ـ ويقال‏ :‏ بل كان على شركه ، ولكنه كان ناصحاً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)لما كان بين خزاعة وبني هاشم من الحلف ـ فقال ‏:‏ يا محمد ، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ، ولوددنا أن الله عافاك ‏.‏ فأمره رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أن يلحق أبا سفيان فَيُخَذِّلَه ‏.‏





ولم يكن ما خافه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) من تفكير المشركين في العودة إلى المدينة إلا حقاً ، فإنهم لما نزلوا بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة تلاوموا فيما بينهم ، قال بعضهم لبعض ‏: ‏لم تصنعوا شيئاً ، أصبتم شوكتهم وحدهم ، ثم تركتموهم ، وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم ، فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم ‏.‏

ويبدو أن هذا الرأي جاء سطحياً ممن لم يكن يقدر قوة الفريقين ومعنوياتهم تقديراً صحيحاً ، ولذلك خالفهم زعيم مسئول ‏[‏ صفوان بن أمية ‏]‏ قائلاً‏ :‏ يا قوم ، لا تفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف من الخروج ـ أي من المسلمين في غزوة أحد ـ فارجعوا والدولة لكم ، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم ‏.‏ إلا أن هذا الرأي رفض أمام رأي الأغلبية الساحقة ، وأجمع جيش مكة على المسير نحو المدينة ،‏ ولكن قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره لحقه معبد بن أبي معبد الخزاعي ولم يكن يعرف أبو سفيان بإسلامه ، فقال ‏:‏ ما وراءك يا معبد ‏؟‏ فقال معبد ـ وقد شن عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة‏ :‏ محمد قد خرج في أصحابه ، يطلبكم في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقاً ، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم ، وندموا على ما ضيعوا ، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط ‏.‏
قال أبو سفيان‏ :‏ ويحك ، ما تقول ‏؟‏
قال ‏:‏ والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل ـ أو ـ حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة‏ .‏
فقال أبو سفيان‏ :‏ والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم‏ .‏
قال ‏:‏ فلا تفعل ، فإني ناصح‏ .‏

وحينئذ انهارت عزائم الجيش المكي وأخذه الفزع والرعب ، فلم ير العافية إلا في مواصلة الانسحاب والرجوع إلى مكة ، بيد أن أبا سفيان قام بحرب أعصاب دعائية ضد الجيش الإسلامي ، لعله ينجح في كف هذا الجيش عن مواصلة المطاردة ، وطبعاً فهو ينجح في تجنب لقائه ‏.‏ فقد مر به ركب من عبد القيس يريد المدينة ، فقال ‏:‏ هل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة ، وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبًا بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة ‏؟‏
قالوا‏ :‏ نعم ‏.‏
قال‏ :‏ فأبلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الكرة ، لنستأصله ونستأصل أصحابه‏ .‏

فمر الركب برسول الله(صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ، وهم بحمراء الأسد ، فأخبرهم بالذي قال له أبو سفيان ، وقالوا‏ :‏ ‏" إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ‏ "‏ ـ أي زاد المسلمين قولهم ذلك ـ ‏" ‏إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ‏ "‏‏[‏آل عمران‏:‏ 173، 174‏]‏‏ .‏

أقام رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بحمراء الأسد ـ بعد مقدمه يوم الأحد ـ الإثنين والثلاثاء والأربعاء ـ 9، 10، 11 شوال سنة 3 هـ ـ ثم رجع إلى المدينة ، وأخذ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قبل الرجوع إلى المدينة أبا عَزَّة الجمحي ـ وهو الذي كان قد منّ عليه من أسارى بدر ، لفقره وكثرة بناته ، على ألا يظاهر عليه أحداً ، ولكنه نكث وغدر فحرض الناس بشعره على النبي(صلى الله عليه وسلم) والمسلمين ، كما أسلفنا ، وخرج لمقاتلتهم في أحد ـ فلما أخذه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال ‏:‏ يا محمد أقلني ، وامنن علي ، ودعني لبناتي ، وأعطيك عهداً ألا أعود لمثل ما فعلت ، فقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏" ‏لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول‏:‏ خدعت محمداً مرتين، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ‏" ‏، ثم أمر الزبير أو عاصم بن ثابت فضرب عنقه ‏.‏

كما حكم بالإعدام في جاسوس من جواسيس مكة ، وهو معاوية بن المغيرة بن أبي العاص جد عبد الملك بن مروان لأمه ، وذلك أنه لما رجع المشركون يوم أحد جاء معاوية هذا إلى ابن عمه عثمان بن عفان رضي الله عنه فاستأمن له عثمان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فأمنه على أنه إن وجد بعد ثلاث قتله‏ .‏ فلما خلت المدينة من الجيش الإسلامي أقام فيها أكثر من ثلاث يتجسس لحساب قريش ، فلما رجع الجيش خرج معاوية هارباً ، فأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) زيد بن حارثة وعمار بن ياسر ، فتعقباه حتى قتلاه ‏.‏

ومما لا شك فيه أن غزوة حمراء الأسد ليست بغزوة مستقلة ، وإنما هي جزء من غزوة أحد ، وتتمة لها وصفحة من صفحاتها ‏.‏

تلك هي غزوة أحد بجميع مراحلها وتفاصيلها ، وطالما بحث الباحثون حول مصير هذه الغزوة ، هل كانت هزيمة أم لا‏ ؟‏ والذي لا يشك فيه أن التفوق العسكري في الصفحة الثانية من القتال كان للمشركين ، وأنهم كانوا مسيطرين على ساحة القتال ، وأن خسارة الأرواح والنفوس كانت في جانب المسلمين أكثر وأفدح ، وأن طائفة من المؤمنين انهزمت قطعاً ، وأن دفة القتال جرت لصالح الجيش المكي ، لكن هناك أمور تمنعنا أن نعبر عن كل ذلك بالنصر والفتح‏ .‏

فمما لا شك فيه أن الجيش المكي لم يستطع احتلال معسكر المسلمين ، وأن المقدار الكبير من الجيش المدني لم يلتجئ إلى الفرار ـ مع الارتباك الشديد والفوضي العامة ـ بل قاوم بالبسالة حتى تجمع حول مقر قيادته ، وأن كفته لم تسقط إلى حد أن يطارده الجيش المكي ، وأن أحداً من جيش المدينة لم يقع في أسر الكفار ، وأن الكفار لم يحصلوا على شيء من غنائم المسلمين ، وأن الكفار لم يقوموا إلى الصفحة الثالثة من القتال مع أن جيش المسلمين لم يزل في معسكره ، وأنهم لم يقيموا بساحة القتال يوماً أو يومين أو ثلاثة أيام ـ كما هو دأب الفاتحين في ذلك الزمان ـ بل سارعوا إلى الانسحاب وترك ساحة القتال قبل أن يتركها المسلمون ، ولم يجترئوا على الدخول في المدينة لنهب الذراري والأموال ، مع أنها على بعد عدة خطوات فحسب ، وكانت مفتوحة وخالية تماماً‏ .‏

كل ذلك يؤكد لنا أن ما حصل لقريش لم يكن أكثر من أنهم وجدوا فرصة نجحوا فيها بإلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين ، مع الفشل فيما كانوا يهدفون إليه من إبادة الجيش الإسلامي بعد عمل التطويق ـ وكثيراً ما يلقي الفاتحون بمثل هذه الخسائر التي نالها المسلمون ـ أما أن ذلك كان نصراً وفتحاً فكلا وحاشا ‏.‏

بل يؤكد لنا تعجيل أبي سفيان في الانسحاب والانصراف أنه كان يخاف على جيشه المعرة والهزيمة لو جرت صفحة ثالثة من القتال ، ويزداد ذلك تأكداً حين ننظر إلى موقف أبي سفيان من غزوة حمراء الأسد ‏.‏

وإذن فهذه الغزوة إنما كانت حرباً غير منفصلة ، أخذ كل فريق بقسطه ونصيبه من النجاح والخسارة ، ثم حاد كل منها عن القتال من غير أن يفر عن ساحة القتال ويترك مقره لاحتلال العدو ، وهذا هو معني الحرب غير المنفصلة ‏.‏

وإلى هذا يشير قوله تعإلى‏:‏ ‏" ‏وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ‏ "‏ ‏[‏النساء‏:‏ 104‏]‏، فقد شبه أحد العسكرين بالآخر في التألم وإيقاع الألم ، مما يفيد أن الموقفين كانا متماثلين ، وأن الفريقين رجعا وكل غير غالب ‏.‏

القرآن يتحدث حول موضوع المعركة


ونزل القرآن يلقي ضوءاً على جميع المراحل المهمة من هذه المعركة مرحلة مرحلة ، وصرح بالأسباب التي أدت إلى هذه الخسارة الفادحة ، وأبدى النواحي الضعيفة التي لم تزل موجودة في طوائف أهل الإيمان بالنسبة إلى واجبهم في مثل هذه المواقف الحاسمة ، وبالنسبة إلى الأهداف النبيلة السامية التي أنشئت للحصول عليها هذه الأمة ، والتي تمتاز عن غيرها بكونها خير أمة أخرجت للناس ‏.‏

كما تحدث القرآن عن موقف المنافقين ، ففضحهم وأبدي ما كان في باطنهم من العداوة لله ولرسوله ، مع إزالة الشبهات والوساوس التي كانت تختلج في قلوب ضعفاء المسلمين ، والتي كان يثيرها هؤلاء المنافقون وإخوانهم اليهود ـ أصحاب الدس والمؤامرة ـ وقد أشار إلى الحكم والغايات المحمودة التي تمخضت عنها هذه المعركة ‏.‏

نزلت حول موضوع المعركة ستون آية من سورة آل عمران تبتدئ بذكر أول مرحلة من مراحل المعركة ‏:‏ ‏" ‏وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ‏ "‏ ‏[‏ آل عمران‏:‏ 121 ‏]‏ ، وتترك في نهايتها تعليقاً جامعاً على نتائج هذه المعركة وحكمتها ، قال تعالى ‏:‏ ‏" ‏مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ‏ "‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 179‏] ‏‏.‏

الحكم والغايات المحمودة في هذه الغزوة


قد بسط ابن القيم الكلام على هذا الموضوع بسطاً تاماً ‏.‏

وقال ابن حجر ‏:‏ قال العلماء ‏:‏ وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة ، منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية ، وشؤم ارتكاب النهي ، لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول(صلى الله عليه وسلم) ألا يبرحوا منه ‏.‏

ومنها أن عادة الرسل أن تبتلي وتكون لها العاقبة ، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائماً دخل في المؤمنين من ليس منهم ، ولم يتميز الصادق من غيره ، ولو انكسروا دائماً لم يحصل المقصود من البعثة ، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب ، وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفياً عن المسلمين ، فلما جرت هذه القصة ، وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحاً ، وعرف المسلمون أن لهم عدواً في دورهم ، فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم ‏.‏

ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضـماً للنفس ، وكسراً لشـماختها ، فلما ابتلي المؤمنـون صـبروا ، وجـزع المنافقون ‏.‏

ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل فى دار كرامته لا تبلغها أعمالهم ، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها‏ .‏

ومنها أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم ‏.‏

ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه ، فقيض لهم الأسباب التى يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين ، ومحق بذلك الكافرين ‏.‏