جريدة الجمهوريه 29/10/2009
مصر.. رايحة علي فين؟!
لم تنشغل النخبة المصرية من قبل بالتفكير في المستقبل. كما يحدث هذه الأيام.
بل ان هذا الاهتمام تعدي حدود النخبة.. إلي المواطن البسيط الذي يسعي لأن يوفر لأبنائه حياة أفضل.
الناس في مصر يتساءلون: ماذا سيحدث غداً؟
وهل ستعاني الأجيال القادمة من مشاكل الحاضر.. أم ستتوفر لهم فرص أفضل في المستقبل؟
والمثقفون قدموا اجتهادات عديدة سواء في المؤتمرات التي تقدم تصورات المستقبل.. أو عبر وثائق فردية وجماعية تتضمن أفكارهم حول المستقبل المنشود.
وأهم هذه الأوراق أعدها الدكتور علي السلمي.. وورقة أخري للدكتور عرجون.. وغيرهما من المثقفين.
ومؤتمرات عقدت لمناقشة تصورات المستقبل غلب عليها الأحلام.. والتي لاتحدث إلا أثناء النوم.. بينما الحديث عن المستقبل يتطلب اليقظة الكاملة.
واجتماعات اقتصرت علي لطم الخدود.. وشق الجيوب وتحولت إلي مندبة. ولم تتجاوز هذه الحدود.. وصفها الكاتب سعد هجرس بأنها جلد للذات.
وتيار واسع يسعي لنشر ثقافة العودة إلي الماضي. ويشكك في كل فكر جديد.. باعتباره قادما من الخارج ورؤي مستقبلية أخري قدمها وزراء أو مؤسسات حكومية.
الدكتور مفيد شهاب يري أن أي رؤية مستقبلية يجب أن تستند إلي التشريع الصحيح الذي يعبر عن احتياجات المجتمع.. والنهوض لايتحقق بالثروة إنما بالقانون واحترامه شريطة ألا يساء استخدامه ويصبح معوقا.
ويساهم مركز المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء بجهود عديدة في هذا المضمار.. ويشير مدير المركز الدكتور ماجد عثمان.. إلي أن الرؤي المستقبلية لاتعتمد علي الشعارات.. إنما تقوم بها مراكز متخصصة ويري أن مصر بحاجة إلي رؤية إبداعية تسمح لها بالريادة ولو في مناطق محدودة.. ويحذر من أن تكون هذه الرؤية حكومية. وإنما يجب أن يتوافق عليها المجتمع حتي تستمر.. وألا نسقط في فخ الأيدلوجيات.. أو النفاق الحكومي. وأن ترتبط بجهد علمي يتصف بالعمق.. والحرفية. وان نترك مساحة كبيرة للنخبة المصرية للإدلاء بآرائها.
وفي مؤتمر الإدارة العليا الذي عقد تحت عنوان "نحو رؤية شاملة لمستقبل مصر" برز اتجاه قوي يتبني شعار "بناء مصر كقوة إقليمية كبري".
ويعبر عن هذا التوجه الدكتور رفعت لقوشة الذي يري أننا لانستطيع الدفاع عن مصالحنا لو وقفنا عند حدودنا فقط. وإلا ستنفجر الأزمات أكثر فأكثر داخل هذه الحدود. ولابد من مراعاة أن هناك نظاما إقليميا جديدا يتم الإعداد له بحيث تحصل منه القوي الإقليمية الكبري علي استحقاقات الدول القابعة داخل حدودها.
ويشير لقوشة إلي أن بناء مصر كقوة إقليمية كبري بمعايير المستقبل لايعني إعلان الحرب علي الآخرين.. بل يمثل إحدي الركائز لتحقيق سلام إقليمي فاعل ونشط.
ويختلف المفكر جميل مطر مع هذا التوجه. ويتساءل لماذا تقتضي الضرورة أن تكون مصر قوة إقليمية كبري.
ويقول ان هذا الأمر لم يعد يحظي بالتوافق وهناك انقسام فعلي علي ما يجب أن يكون عليه دور مصر.
البعض يري أن إمكانات مصر تسمح بأن تكون دولة إقليمية كبري.. وان كان يكفي لقيام دولة محترمة.
ويشير مطر إلي أن المطلوب أن يكون المستقبل أفضل من الحاضر.. وأن يستهدف بناء مصر أولاً .. وأن العودة إلي نماذج الماضي.. لايمكن أن تقود إلي نهضة أمة.
يضيف: الأجدي أن نضع أساساً لبناء مصر أفضل.. ثم نفكر بأن تكون قوي إقليمية. كما أن البناء لايتم فوق ما هو قائم.. إنما تسبقه إزالة الحطام والقضاء علي التخلف.. ومراجعة منظومة القيم الإنسانية التي تقود التخلف.
ويبدي الدكتور محمد إبراهيم منصور.. عدة ملاحظات حول هذه الرؤي.. أهمها أن الذين قدموها وقعوا أسري اللحظة الراهنة. بكل أوجاعها. وهي لحظة منفعلة مما يوقعهم في شرك التشاؤم.. بينما المستقبليون متفائلون دائما.
ويلاحظ الدكتور منصور.. أن النخبة ليست علي قلب رجل واحد.. إنما موزعة بين خيارين مستقبليين.
الخياران واضحان.. ويشبهان قطاراً يقوده سائقان.. واحد يحتل الكابينة الأمامية.. والآخر يحتل "السبنسة".. كل منهما يحاول أن يقود القطار في الاتجاه الذي يريده.
خيار يريد أن يشد المجتمع للماضي.. وخيار يشد المجتمع للمستقبل.
الأول قد يكون حسن النية يحاول احياء أزمنة أصبحت في ذمة التاريخ رغم أن اللحظة التاريخية التي مرت لايمكن أن تعود.
أما تصورات النخبة عن المستقبل.. فلم يحدث عليها توافق.
يلاحظ الدكتور منصور.. أن الرؤي التي قدمت إلي المؤتمر.. تجاهلت في غمرة الحماس.. أو ثورة الانفعال.. أن المستقبل لم يعد خيارا وطنيا معزولا عما حوله. ولم يعد متروكا لأصحابه يمارسونه بإرادة كاملة الاستقلال. وإنما هناك العولمة التي لم تترك لدولة خياراتها المستقبلية.. دون اعتبار للتقاطعات الحتمية مع مصالح الآخرين.
بينما أي رؤية تصاغ للمستقبل يجب أن تراعي عدم تصادمها مع الذين يسعون لوأدها.. إذا تعارضت مع مصالحهم. ولايجب أن نتجاهل أنك إذا لم تصغ مستقبلك سيصيغه لك الآخرون طبقا لمصالحهم.. لا لمصالحك.
رؤي أخري عديدة قدمت للمؤتمر.. منها مستقبل الإدارة المحلية قدمها عبدالغفار شكري. كما قدم الدكتور كمال مغيث ورقة حول التعليم والبحث العلمي المدخل لمستقبل أفضل لمصر؟!
واختتم الوزير الدكتور عثمان محمد عثمان جلسات الموتمر بحوار حول الاقتصاد المصري وتحديات المستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق